رمضان وعيد أول على مهجري الغوطة في إدلب

في 22 من آذار الماضي، تم كسر الحصار المفروض على الغوطة منذ أعوام من قبل النظام السوري، وذلك بعد تمكنه من السيطرة عليها من خلال سلسلة من المصالحات والاتفاقيات بين النظام السوري وحليفه الروسي من جانب، وفصائل المعارضة بالغوطة من جانب أخر، لتبدأ عملية تهجير الأهالي من بيوتهم ومدنهم.

الغوطة، التي كان يسكنها نحو 400 ألف نسمة، كانت تعاني من نقص حاد في أساسيات الحياة والمواد الغذائية والطبية، واستمر هذا الوضع طوال السنوات الماضية.

وبدأت عملية التهجير من جنوب الغوطة الشرقية، تحديداً في مدينة حرستا، ووصل إلى عربين وحمورية بالقطاع الأوسط، وجوبر ودوما وغيرها، واستمرت الحافلات بنقل المهجرين بالتوافد إلى بلدة قلعة المضيق في ريف حماة، حيث تقع هناك النقطة الصفر، وهي المكان الذي يحط المهجرون رحالهم فيه ثم ينطلقون منه إلى مناطق أخرى لبدء حياة جديدة.

فتحت إدلب وجهة المهجرين أبوابها كاملة، لكل أهالي الغوطة باستثناء دوما، التي كانت وجهة أهلها ريف حلب الشمالي.

وبحسب منسقو الاستجابة فإن إدلب كانت الوجهة الأولى لسكان الغوطة الشرقية، فقد وصل إليها 51553 نسمة من ريف دمشق، قادمون من حي القدم جنوب دمشق وحرستا وعربين.

وشهد وصول أهالي الغوطة إلى إدلب استقبالاً حافلاً من قبل الفعاليات الشعبية والثورية، اعترافاً بصمودهم الأسطوري وثباتهم، وعمل الأهالي في إدلب وريفها، على تقديم جميع أنواع المساعدات للمهجرين منذ وصولهم، وانطلقت مجموعة من المبادرات الأهلية لتخفيف معاناتهم، وتنوعت هذه المبادرات حيث بدأت بتأمين السكن والأغطية ومن ثم الطعام والخضار وصولاً إلى المعاينة الطبية.

ونشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صور لافتات وضعت في محال تجارية وبائعي خضار كتب عليها “أهلنا في الغوطة خذوا حاجتكم بالمجان”.

وتظهر الصورة لافتة وضعت في محل لبيع الخضار والفواكه، كتب عليها: “أهلنا في الغوطة، تقبلوا منا فواكه وخضروات لكل عائلة تشرفنا مجانا”.

عن رمضان هناك

رمضان أول، وعيد أول يمر على مهجري الغوطة بإدلب، تختلط الأحاسيس والأفكار تجاهه، ففيه فرجات أمل لطالما افتقدوها بالحصار، وفيه غصات نفسية أخرى غصتها أرواحهم بالغربة والبعد عن بلادهم، والحنين لأماكن عاشوا فيها كل حياتهم وتركوا فيها كل ذكرياتهم، ثم هجروا وحرموا منها قسرا، ليمر العيد بمشاعر ممزوجة بالألم رغم خلاصهم من الحصار.

“خالد عكاشة” أحد ابناء الغوطة الذين وصلوا لإدلب في الآونة الأخيرة قال لزيتون: “مر رمضان ولم نشعر بأجوائه المعتادة، فقد خسرنا المكان والأقرباء والجيران، وانتقلنا إلى جو جديد علينا، وواقع اجتماعي ومادي قاسي، لأننا خرجنا تاركين كل شيء، أوضاع صعبة، منذ ايام توفي طفلتين من الجفاف والحر بمخيم دير بلوط”.

ويضيف عكاشة عن العيد: “أما العيد فلن نستقبله كما ينبغي، فالظروف لا تسمح بالراحة والاحتفال، فإيجار منزلي 35 ألف ليرة لشهر واحد، وأفكر إن كنت سأبقى فيه، والكثير من المشاكل الحياتية التي تنغص علينا إمكانية الفرحة”.

ويلجأ الكثير من المهجرين قبيل العيد إلى شراء ألبسة جديدة للأطفالهم كي يمنحوهم فرصة الفرح، فإن كان هذا العيد بالنسبة للكبار عيد حزن فما ذنب الأطفال كما يقول عكاشة.

في حين يغرق بعض المهجرين بتفاصيل ذكرياتهم أيام الحصار مسترجعين أحداثه الموجعة، ومستحضرين سير الأقرباء والأحبة الذين فقدوهم ما ينكد عليهم بهجة الخلاص من الحصار.

يقول “أبو يعقوب الشيخ” أحد مهجري الغوطة، واصفا تلك اللحظات والرمضانات التي عاشوها هناك: “نجونا من محرقة الغوطة، ومن معاناتنا لألم التجويع والقصف، وبعد أن كنا نتناول وننتظر لحظة الموت، فرج الله عنا، لتبدأ معاناة جديدة بتأمين سبل العيش”.

ويقارن “الشيخ” ما بين رمضان السابق ورمضانه الحالي مؤكداً أنهم كانوا يفطرون على الماء ورغيف خبر شعير يابس إن وجد، نحن الأن نطبخ كل الطعام”، مضيفاً أنه ما يزال يحلم أن يعود إلى حديقة منزله ليتناول وجبة الإفطار فيها.

يلجأ الكثير من المهجرين قبيل العيد إلى شراء ألبسة جديدة للأطفالهم كي يمنحوهم فرصة الفرح، فإن كان هذا العيد بالنسبة للكبار عيد حزن فما ذنب الأطفال

أما الإعلامي “أبو مارية الشيخ” حمل رمضانه خليط من مشاعر الشوق والوجع، والذي قضاه بعيدا حتى عن أطفاله وزوجته وأهله، بعد أن اضطر للقدوم للشمال، بحكم عمله، كما أوضح لزيتون.

هناك مفارقات كبيرة بين رمضانات الغوطة رمضان الشمال، فمن الناحية الأمنية كان النظام في الغوطة ينتظر صلاة العصر ليبدأ قصفه في هذا الوقت، ويومياً كان هناك شهداء وجرحى، ومن ناحية أخرى هذا التنوع بالطعام هنا بالشمال التي تعتبر مكملات لأجواء رمضان، كانت مفقودة هناك بحسب الناشط “عبد الملك العبود”.

وأوضح العبود مقارنا حسب مجال عمله الإغاثي، تفاصيل أكثر، قائلاً:

“في الغوطة كانت إحدى أمنياتنا تأمين حبة فواكه مع صحن الطعام الذي نتعذب كثيرا لتوفيره، أما اليوم فنقوم بتوزيع ١ كيلوغرام من الفاكهة مع كل وجبة طعام، هناك أيضا مادة الخبز التي كانت من أغلى السلع في الغوطة، حيث وصل سعر الرابطة بوزن 700 غ إلى 2000 ل.س، أما هنا فإننا نقوم يوميا بتوزيع ربطة خبز وزن ١ كيلوغرام مع كل وجبة طعام وسعرها لا يتجاوز ١٠٠ ل.س”.

لكن البعض يرى أن من واجبه أن يحافظ على ثقافة العيد مهما كانت الظروف صعبة ويعمل ما بوسعه لإعادة تفاصيل العيد قدر المستطاع، يشجعه على ذلك رغبته برؤية الابتسامة على وجوه أطفاله.

نيفين حوتري” إحدى ناشطات الغوطة أخذت طفلتها للسوق وتركتها تشتري لباس العيد وتختار ما يعجبها، لأنه العيد الأول الذي ترى فيه الطفلة أصناف الألبسة والألعاب، سمحت لطفلتها أن تختار بنفسها، حتى تعرف أن في الحياة خيارات، لا فرضاً تفرض، كما اعتادت في حصار الغوطة.

وتضيف “حوتري”: “أول رمضان في الشمال يمكن وصفه بأن الجمال لا يكتمل، فبعد عدة سنوات من حصار متفاوت الشدة، نحن أمام سوق مفتوح لكن مهجرين وبعيدين الأهل، رمضان جميل بلمة العائلة، وهذا الشيء افتقدناه لما كسبنا مائدة رمضان هنا”.

وعن تجهيزات العيد قالت “حوتري”: “لأول عيد منذ سبع سنوات أنا أصنع حلويات العيد بالبيت، رغم توفر الحلو بالأسواق لكي أحافظ على ذكريات تركناها بالغوطة، سأصنع أقراص العيد هنا من جديد”.

الخلاص من الحصار كان ثمنه أوجاع الغربة والحنين الذي أثقل القلوب، وظروف معيشية صعبة تعصف بهم في الشمال السوري، هذه حال مهجري الغوطة في الشمال، والذين لا يلاقون خيارات أخرى سوى التأقلم والصبر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*