برأي سياسييها.. إدلب إلى أين؟

خاص زيتون
تعيش محافظة إدلب منذ نحو شهرين في حالة من الترقب والتكهن حول مصيرها، وتكثر التحليلات حول ذلك، ويضع معظم المحللون أحد خيارين لمصير المحافظة، الأول هجوم النظام عليها على غرار محافظتي درعا والقنيطرة في الجنوب السوري، والثاني هو وضع المحافظة تحت وصاية الضامن التركي، ولا سيما بعد تهجير أهالي الجنوب السوري مؤخراً إليها، وإلحاقهم ببقية المهجرين في الشمال السوري.


لا معلومات كاملة حول الموضوع، وكل ما انتشر لم يتعدَّ التحليلات، ولكن في ظل الحديث عن مصير إدلب لا بدّ من التطرق لمصير فصائلها وسلاحها ومصير التجمعات السياسية المتواجدة فيها.
يرتبط مصير التجمعات السياسية ارتباطاً مباشراً بمصير محافظة إدلب، ويختلف باختلاف الواقع الذي سيُفرض على الأرض، ولذلك لابد من الحديث عن مصير إدلب في ظل التجاذبات الميدانية والسياسية من وجهة نظر الناشطين السياسيين وأعضاء التجمعات.

رأي سياسيي إدلب بمصيرها 
يعتبر مسؤول مكتب التنظيم في حركة نداء سوريا “مأمون جمعة” أن الهم التركي بقطع أي أمل للأكراد في إقامة دولة لهم على الحدود التركية يعتبر نقطة البداية، موضحا: “التركي خرج من حالة الصدام مع الروسي إلى المصالحة معه، ثم إلى أستانة ليحقق هذا الحلم الذي منعه منه أوباما وإداراته لعدة سنوات، ولقد تم تسوية هذه الملفات في أستانة بين الشركاء الثلاث (التركي والروسي والإيراني)، بدءاً بتسويات حلب والزبداني ووادي بردى ومن ثم الغوطة، ثم دخول تركيا إلى مناطق الشمال كبداية وفقا لهذه التسويات، ثم عفرين، وتنازلت جبهة النصرة عن شرق السكة تنفيذا لتلك التسويات، لذلك فإن ملف إدلب مسلم به من المجتمع الدولي بشكل عام وفي أستانة بشكل خاص لتركيا”.
ويفسر “الجمعة” خصوصية ملف إدلب للجانب التركي بعدة أسباب منها “أن إدلب محاطة بالأعداء من جميع الجهات ولا حلم للفصائل بأي دعم إلا من خلال تركيا، وأن جميع الفصائل تجد أن تركيا هي أقرب دولة يمكن الوثوق بها في القضية السورية لجهة الثورة والمعارضة، كما أن جميع هذه الفصائل لا خيار لها إلا تنفيذ توجيهات تركيا”.
ويؤكد “الجمعة” أنه في حال تخلت تركيا عن هذا الملف ستكون كارثة على إدلب وقاطنيها، ولذلك كله ستكون إدلب ومحيطها تحت وصاية تركيا خلال الفترة القادمة.
كما يرجع الناشط السياسي وعضو التجمع الثوري السوري “حسين أمارة” كثرة الحديث واللغط عن مصير إدلب إلى ضبابية المشهد السياسي، فاتفاقات أستانة المعلن منها “مناطق خفض التصعيد الأربعة”، أما البنود فقد ظلت سرية.
كما يرى أن التصريحات التركية الأخيرة من إمكانية انهيار أستانة في حال تقدم الروس والنظام عززت مخاوف الأهالي في إدلب كما زاد من التعمية المستقبلية، يعزز هذه المخاوف قناعة السوريين بالغدر الروسي والموقف التركي الرخو والمرتبط فقط وفقط بمصالح الأتراك الأمنية.
ويستبعد “أمارة” ما يشاع حول اقتحام إدلب لعدم انسجامه مع اتفاقات أستانة، ومهاجمة منطقة صار عدد قاطنيها 4 مليون، وكيف سيكون حال الحدود التركية حيث سيتجمع الملايين في محاولة الدخول إلى الأراضي التركية، ولمعرفة الأتراك بذلك ومن باب مصلحتهم مجبرين على عدم السماح لأي كان بمهاجمة إدلب.

المناخ السياسي المحلي في ظل الوصاية التركية المحتملة
يرجح أن يكون التوجه السياسي المستقبلي لتركيا في إدلب، وهي الحديقة الأمامية المطلة على مهد الرسالة الإسلامية والماضي الذي تستحضره الذاكرة والمستقبل المنشود، يتركز من خلال هذه البقعة من الأرض، لذلك سيكون التركي منطقيا “داعما” بكل قوة للتوجه الإخواني في إدلب، وتهميش أي حراك وطني سوري في المرحلة المقبلة، وستبتعد عن سورية “إيديولوجيا” كل ما مر الوقت، لأن الروسي سيدعم فكرا “آخر” مناقض علماني وطني، وحكم مدني، من خلال نشاط سياسي متنوع لكن يصب كله في هذا الإطار، بحسب رئيس مكتب التنظيم في حركة نداء سوريا “مأمون جمعة”.
إلى هذا لا يرى “الجمعة” أية تجمعات سياسية حقيقية وفاعلة ما دامت الفصائل تسيطر على إدلب، لأن البندقية لا تقبل برأي مخالف لها، وأي تطور سياسي ضمن المرحلة القادمة هو رهن التطور الميداني الذي سيظهر مع الوقت بتوجه سياسة تركيا ومدى حيادها تجاه هذه التوجهات السياسية.
رئيس الهيئة السياسية في محافظة إدلب “عاطف زريق” يفترض أنه إذا ما بسطت تركيا سلطتها على إدلب فينبغي على جميع التجمعات السياسية أن تعمل على تشكيل جسم سياسي موحد وتقدم مشروع للجانب التركي يكون واضح المعالم، مضيفاً: “أظن أن العمل السياسي تحت الوصاية التركية سيتمتع بحرية أوسع وبالأخص السياسات التي تتماشى مع السياسة التركية”.
في حين يستبعد الناشط السياسي “عبد المجيد الشريف” وجود مستقبل لأي من التجمعات السياسية القائمة حالياً، وذلك بسبب غياب الأهداف الواضحة والفكر الموحد وخطة العمل، مؤكدا أنه في كلا الحالتين سواء في حال الإدارة التركية أو هيمنة النظام لن تتماسك هذه التجمعات، فارتباط عناصرها لا يتعدى كونهم على صفحة فيس بوك واحدة أو غرفة وتس، وما زالت الأفكار التي تطرح ضمن هذه التجمعات خلطاً بين المطالبة بنظام حكم ديموقراطي وصندوق انتخاب ونظام حكم (إسلامي)، لكن لتركيا تقاليد ديموقراطية لا تسمح لها بالتضييق على العمل السياسي السلمي، ولذلك فان الهيمنة التركية على المنطقة بالإضافة إلى التجربة المرة التي عاشتها يجب ان تكون بيئة ملائمة لعمل سياسي نشط وفعال بحسب الشريف.

العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام
فيما يتعلق بغموض العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام لا يجد رئيس مكتب التنظيم في حركة نداء سوريا أي مستقبل لهيئة تحرير الشام في إدلب، لأسباب أهمها أن هيئة تحرير الشام ربطت مصيرها بمصير القاعدة منذ البداية، ورغم كل عمليات التجميل التي قامت بها، إلا أن صورة القاعدة لم تغب في شكلها ومضمونها، وهو ما لا تستطيع تركيا ولا أي بلد آخر لديه هامش من الديمقراطية تحمله، ولذلك لن تسمح تركيا ببقاء الهيئة وسيكون تفكيكها من أولى أولوياتها.
ويصف “الجمعة” العلاقة المبهمة ما بين التركي وهيئة تحرير الشام بـ “زواج المتعة” عبر الوسيط القطري هو زواج مؤقت وتكتيكي ونكاية كان مطلوبا في مرحلة مضت من دول عدة لإشاعة الفوضى والرعب المذهبي المقابل لرعب المليشيات الإيرانية، وسينتهي مع انتهاء دور خصمه.
من جانبه يرى “حسين أمارة” أن الروس والإيرانيون كانوا يريدون توريط الأتراك في صراع مع الهيئة، إلا أن الأتراك استخدموا سياسة الاستيعاب والإضعاف بالانشقاقات والحوار، إلى أن يصلوا لمرحلة فرض حل نفسهم أو الانضمام إلى تشكيل وطني مزمع انشاؤه، وهو ما سيأخذ بعض الوقت.
كما يؤكد رئيس الهيئة السياسية في محافظة إدلب “عاطف زريق” أن تركيا تعمل بشكل ناعم لدمج جميع الفصائل ومن بينها هيئة تحرير الشام في الجيش الوطني المنشود من قبل تركيا، ولكن يبقى السؤال هل هذا الأمر مقبول دوليا؟، وخاصة بأن أستانة تنص على أن تركيا ملزمة بحل الفصائل المصنفة إرهابيا، فيما يعتبر عبد المجيد الشريف أن ما تدعيه تركيا من إصرارها على الدفاع عن المنطقة غير صحيح، قد تدافع سياسياً بقدر ما تستطيع، ولكن من الناحية العسكرية لن تحارب الروس ولا الأمريكان، ولن يقبل أي منهما ببقاء أي أثر لهيمنة هيئة تحرير الشام على المنطقة، مشيراً إلى عدم ظهور أي سلوك للأتراك يوحي باقتراب حل الهيئة، وما يشاع من أن تركيا تريد ضم الهيئة وبقية الفصائل إلى فيلق الشام ممكن، لكنه لا يرى أنها ستكون خطوة موفقة، فليس الفيلق بنظر الروس والأمريكان بأفضل من الهيئة.

مصير الفصائل والسلاح
يرجح “أمارة” أن مصير الفصائل سينتهي لصالح تشكيل جيش حر (وطني) قادر على التفاعل مع تصورات الحل السياسي النهائي، والتي لا بد أنها ستأتي بعد بضع سنوات.
فيما يتصور “الشريف” أنه في حلول 15 من الشهر الحالي دون حل الهيئة، فإن ذلك سيسمح للروس باقتحام إدلب إذا استمر الفشل التركي في إلزام الفصائل بتنفيذ البنود، منوهاً إلى أن ما نشر عن ورقة قدمها الجانب التركي إلى الجانب الروسي ما هو إلا محاولة إبدال المهمات الموكلة إليها بمهمات أخرى، ولكن رد الروس جاء سريعاً وواضحاً في جعل النظام يحشد في معسكر جورين وفي جبال اللاذقية استعداداً للمعركة، يبقى الأمل معقوداً على تنفيذ تركيا لتعهداتها سريعاً، كي تتلافى حرباً ضروساً ربما تكون أقسى من كل ما حدث سابقاً ولن تسلم تركيا من لظاها.
ويضيف “الشريف”: “إذا كانت تركيا تخشى من عمليات تخريبية قد تنفذها الهيئة داخل الأراضي التركية إن هي احتاجت استخدام القوة لتفكيكها، فإن مثل هذا الاحتمال سيكون قائماً إذا شعرت الهيئة أن الأتراك قد غدروا بها وسلموها للنظام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*