متى سنزور أبي في الجنة؟.. الشهيد محمد أحمد عليوي

عملها كعنصر في الشرطة الحرة النسائية في مخفر قريتها “ترملا”، دفعها للمكابرة والتظاهر بالقوة ومحاولة التغلب على ضعفها، وحبس دموعها قدر المستطاع، لكن قلب الزوجة المخلصة، وأم الأولاد الخمسة لأب رحل عنهم دون وداع، كان دائماً حاضراً خلال حديثها، وفي صوتها الذي كان ينم عن مدى الوجع والقهر والتعب الذي يعتريها منذ رحيله، وأول ما تصفه به:

“كان جميلاً بلونه الأسمر وتلك الشامة على خده”، توقفت فجأة عن الكلام، ربما تذكرت ما كانت قد عاهدت نفسها عليه بألا تضعف، ثم تابعت:

“زوجي محمد أحمد عليوي، من مواليد أوائل كانون الثاني عام 1969، كان بسيطاً جداً لا يطمح إلا أن يرى أولاده سعداء في حياتهم، وألا يحرمهم من أي شيء قادر على تأمينه لهم، اجتماعي بطبعه، بسيط في حياته، لا يحب المشاكل ولا العنف، صديق للجميع، لم يشارك بالثورة خوفاً من اعتقاله أثناء سفره المتكرر إلى عمله في لبنان، لكنه لم يعد من سفرته الأخيرة في 14 شباط عام 2013، فقد اعتقله النظام هو وشقيقه على حاجز الدبوسية على الحدود السورية اللبنانية، حسبما أبلغنا سائق السيارة التي كانا يستقلانها”.

سعت عائلة “محمد أحمد عليوي” مباشرة لكشف مصيره وإطلاق سراحه، وخلال محاولاتها أخبرها أحد من لجأت إليهم في مدينة جبلة أنها مشكلة تشابه أسماء وستُحل قريباً، وبدأت الأيام تمر دون أن تحل المشكلة بل على العكس تفاقمت.

وكان محمد وشقيقه يُنقلان من فرع لآخر ما بين حمص ودمشق، وبعد أربعة أشهر وفي 12 حزيران عام 2013 بالتحديد، قام الشقيق الثالث لمحمد، والمقيم في دمشق بالسؤال عنه، فحصل على شهادة وفاة لمحمد، كتب فيها أن سبب الوفاة هو المرض، فلا يمكن للنظام أن يكتب فيها أن الوفاة كانت بسبب التعذيب في السجن كما كانت السبب بموت أخيه..!

تقول زوجة محمد: “لم أصدق أن زوجي مات بسبب المرض، فقد كان رجلاً قوياً، ولكنه في المحصلة ترك لي حملاً ثقيلاً، خمسة أبناء استشهد أحدهم وهو رياض أثناء إنقاذه للمصابين بإحدى الغارات، ولم يكن قد مضى على زواجه الذي كان يحلم به والده سوى أربعة أشهر، وها أنا اليوم أقاوم الظروف الصعبة، وأسعى أمام أولادي حتى أعوضهم عن خسارته وأؤمن لهم ما يحتاجونه”، مضيفة والغصة تغلب على صوتها وقلبها، ولكنها ما زالت تكابر:

“أعاني منذ اعتقاله وحتى هذه اللحظة، ما ألاقيه في غيابه قاس جداً، فالمجتمع من حولي لا يرحم امرأة وحيدة بلا رجل، والأنظار موجهة دائماً إلي”.

نسيت عملها وكل ما فكرت فيه من قبل، وتنازلت عن كبريائها، فقد غلبتها أنوثتها ومشاعرها الصادقة، فسمحت لنفسها أن تعبر عما بداخلها قائلةً:

“رغم آلامي أقاوم، لكنني أفتقده في كل شيء، وكل موقف، وما زلت حتى الأن أحتفظ بكل ثيابه وأشيائه، ما زالت كلها في خزانته، أهتم بها وكأنه سيعود ويرتديها يوماً ما، رغم علمي أن ذلك لن يحدث”، مضيفةً:

“كذلك أولادي يفتقدونه، ابني أحمد وبناتي الثلاث، إنها مشاعر يصعب وصفها، ابنتي الوسطى تحتفظ بصور والدها وشقيقها الشهيد، ولا تمل النظر إليهما أبداً، أما الصغرى فهي لا تعرف والدها ولا تعرف معنى الموت أو الاستشهاد، عمرها خمسة أعوام، ودائماً تسأل عنه: أين هو؟، ولماذا لا يزورنا؟، فأقول لها: إنه في الجنة، فتتساءل: متى نزوره نحن؟”، وليس بعد كلام الأطفال كلام، وليس لكل أسئلتهم أجوبة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*