إدلب تحت المطرقة.. أين يكمن الحل؟

زيتون – عدنان صايغ

مجموعة من الشبان المقاتلين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرون يستقلون شاحنة “بيك آب” تنطلق بهم مسرعة باتجاه مواقع متقدمة في معركة كفرنبودة، القذائف تتساقط حولهم من كل الجهات، والغريب في ذلك المشهد الذي تداولته صفحات التواصل الاجتماعي منذ يومين، هي حالة الضحك والغناء التي كانوا بها، بدوا وفي منتهى البراءة والشجاعة، ودون أي اكتراث للموت رغم قربه منهم.

كان يفترض أن تتوقف المعارك في ظل تفاهم الطرفين الضامنين، فما الذي تغير حتى تعود المعارك إلى ريف حماه وفي رغبة واضحة من الطرف الروسي في التقدم ميدانيا دون إبداء أي حدود لذلك التقدم، وما الذي دفع بالجانب التركي إلى ضخ السلاح للفصائل المعارضة وكسر حالة الوفاق مع الروس في كفرنبودة.

تعيش إدلب والمناطق المحررة المحيطة بها أياما عصيبة وحالة من الترقب والتوجس خلقتها ضبابية المشهد السياسي والميداني، وما خلفته صمت القطبين المؤثرين (تركيا وروسيا)، فيما يبدو القطب الأمريكي الرئيسي غير مكترث بها حتى اليوم، ولربما ما جاء في الرسالة التي وجهتها مجموعة كبيرة من أعضاء الكونغرس، لحث الرئيس دونالد ترمب على زيادة النشاط الأميركي في الأزمة السورية معتبرين إن الصراع في سوريا معقد، والحلول المحتملة ليست مثالية، يلخص الرغبة الأمريكية في الانسحاب وتقليص دروها في سوريا.

وتشير الاتفاقات التركية الروسية السابقة إلى تقارب عدويين أكثر ما هو عداء صديقين، يترجم ذلك في تضارب ما يتم تنفيذه أو إغفاله على الأرض، إذ يتم التفاوض مرة إثر أخرى على ذات البنود، لكن يبدو أن ما يحدث على الأرض مختلف عما يتم الإعلان عنه، فالتغافل الذي يتبعه الطرفان يعطي الانطباع بالموافقة المدئية المرهونة بخطوة مقايضة.

ورغم أن وضع إدلب هو العنوان العريض الذي وضع للقاءات جميعا، إلا أن التفاهمات كانت تجري بشكل مستتر حول مصالح كلا الدولتين الضامنتين، الملف الكردي الحاضر تحت أوراق إدلب لدى الجانب التركي، وضم إدلب لسلطة الأسد لدى الجانب الروسي.

كان يفترض أن تتوقف المعارك في ظل تفاهم الطرفين الضامنين، فما الذي تغير حتى تعود المعارك إلى ريف حماه وفي رغبة واضحة من الطرف الروسي في التقدم ميدانيا دون إبداء أي حدود لذلك التقدم، وما الذي دفع بالجانب التركي إلى ضخ السلاح للفصائل المعارضة وكسر حالة الوفاق مع الروس في كفرنبودة.

التقية التي مارسها الضامنان سابقاً ومحاولتهما الإبقاء على شعرة معاوية فيما بينهما وصلت إلى حالة استعصاء سياسي، سببها الرئيسي الرغبة الروسية في السيطرة على إدلب، وعدم الرغبة التركية في التخلص من جبهة النصرة، هذا الانسداد حاولت روسيا كسره عبر التقدم الميداني بخطوة باتجاه إدلب، وهو ما يفقد أوراق مهمة من تركيا، التي مارست توازنا دقيقا في إدلب مدركة حجم حساسيته، ورأت في الهجوم تجاهلا لمصالحها ما دفعها لرفضه والإشارة إلى الفصائل بأيقاف الهجوم على كفرنبودة ومحاولة إرجاعها.

يمكن القول إن الوفاق التركي الروسي اليوم بعد معارك حماه قد توقف، لم ينهار كليا لكنه على شفير خطر، فمضي روسيا في استغلال الصمت التركي من شأنه أن يدفع الأتراك لإثبات امكانياتهم وقدراتهم في عرقلة الخطط الروسية في إدلب.

معارك الكر والفر وتكبد الأطراف جميعا خسائر كبيرة وصفت من قبل البعض بمعارك “كسر العظم” في كفرنبودة هي تجسيد حقيقي لفشل الدبلوماسية بين الدولتين، ورغم ما يبدو من تفوق ميداني للعنجهية الروسية وحذر تركي واضح محدود الدعم، إلا أن قدرة المقاتلين من أبناء المحافظة على إلحاق الخسائر بهذا الشكل يعد تجربة وسابقة ستأخذ بالحسبان في الفترة القادمة عند الجميع في حال استمرار شقاق الضامنين، هؤلاء المقاتلين الذي فرض عليهم الالتحاق بفصائل قد لا يكونوا مقتنعين بها أصلا، بل قد يكونوا على طرف نقيض من ايديولوجيتها، سيقاتلون تحت راية أي فصيل دفاعا عن أرضهم، هؤلاء المقاتلين هم الحدث اللافت والمميز في كل ما جرى في المعارك الأخيرة، وهو ما يتوجب على قوى المعارضة الاهتمام به والاعتماد عليه.

التصعيد والتباين في المواقف السياسية سيكون مرهونا أولا بمدى نوايا الروس التقدم في إدلب، ثم بقدرة الأتراك على إدارة اللعبة الدولية لصالحها.

في المحصلة يبقى السوريون في الشمال المحرر في وضع صعب وخطير، فهم خارج دائرة القرار، والفصيل المسيطر الأكبر سقطت عنه هيبة النصير، ومرتهن مع من تبقى من فصائل لإشارة الخارج، فيما ينتظر المدنيون مصيرهم باستسلام الأسير، فكيف هو الحل؟

“إن قلتها مت، وإن لم تقلها مت.. إذا فقلها ومت” مقولة تبدو متلبسة لحالة السوري في إدلب، لأن سيطرة النظام على هذه البقعة تختلف بشكل كلي عما سبق السيطرة عليه، فتركز الرافضين للنظام والقوة العسكرية المتواجدة فضلا عن قربها من الحدود التركية وسيادة ثقافة معادية بالمطلق للنظام، ومجموعة أخرى من الأسباب، يجعل من الخضوع أمراً مستحيلاً.

يحيلنا هذا الواقع إلى خيار القتال الذي تقف في طريقه عوائق أهمها سلطة الأمر الواقع المتمثلة في هيئة تحرير الشام، وقدرة الفصائل على استعادة زمام المبادرة، وتوظيف الإمكانيات المتاحة للصمود، ولأن الأمر جلل، ومصير أربعة ملايين مدني على المحك، فقد آن الأوان كي يسترد الأهالي إرادتهم من الفصائل والخارج، ويعيدون فرض أنفسهم كشركاء لا تابعين للجانب التركي، وسيتحتم عليهم رفض أي معارك لا تخدم قضيتهم، والتمسك بالمصالح المتقاطعة مع الحليف، وترتيب الأولويات من جديد، والتخلص -على صعوبة هذا الأمر- مما علق بهم من مشاريع غريبة عنهم، عندها فقط يمكن للسوري أن ينتصر على الأسد، وإلا ستكون الهزيمة قاسية على الخاسر مهما كانت عدالة قضيته واضحة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*