زهرة تخرج من حجر.. من خيمة النزوح إلى كلية الطب

زيتون – غادة باكير   

كان الطريق شاقاً ومؤلماً لكنها قطعته بعزيمة وإصرار متشبثة بالحلم ليتحول إلى حقيقة، لم يكن مستحيلاً لكن الظروف التي رافقت تحقيقه زادت من صعوبته، رغم ذلك نجحت بتحقيقه “فاطمة الحسن” الطالبة ذات الثمانية عشر ربيعاً والتي حملت حلمها بين طيات كتبها أثناء نزوحها من بلدة كفر عويد.

كفر عويد بلدة صغيرة في ريف إدلب الجنوبي عانت وما تزال ككل بلدات الريف الجنوبي من همجية القصف السوري والروسي وتدمير منازلها ونزوح أغلبية سكانها إلى الريف الشمالي والشريط الحدودي المتخم بالمخيمات طلبا للأمان.

تقول فاطمة:

“لم أستسلم.. في البداية كان القصف يتركز على أطراف القرية وكنا نهرب صباحاً إلى الكهوف وكروم الزيتون ونعود في المساء إلى بيتنا، لم أفارق كتابي الذي جعلت منه رفيقي في كل لحظة”.

وتضيف فاطمة: “بقينا على هذه الحالة عشرون يوماً، ومع تزايد شدة القصف ووقوع مجازر مروعة، نزحنا إلى الحدود السورية الشمالية وأقمنا في مخيم “القلعة” بالقرب من سرمدا”.

لا يحصل من يعيش في المخيمات على ظروف مناسبة للدراسة لا سيما في ظل تواجد الأطفال، وعاشت الفتاة مع عائلتها في خيمة واحدة مع إخوتها الصغار بضجيجهم ولعبهم، وهو ما كان يشكل عائقا لدراستها، الغبار وارتفاع الحرارة خارج الخيمة وانعدام الكهرباء ليلا كل ذلك لم يمنعها من مواصلة الدراسة.

تمكنت فاطمة من الحصول على المجموع التام في امتحانات الشهادة الثانوية للفرع العلمي لعام 2019، حيث حصلت على 240 درجة لتصل إلى مقاعد كلية الطب.

يتحدث والدها بفخر عن تفوق ابنته، ويشير إلى ما يقدمه من تعليم مبكر لأطفاله والذي يبدأ به من سن الأربع سنوات في مبادئ القراءة والكتابة والحروف الإنكليزية، وهو ما يجعلهم مميزين عن أقرانهم.

ولوالدة فاطمة دور في هذا التفوق وهي التي كرست كل جهدها في سبيل تأمين الجو المناسب لدراستها، كما ترى أن فاطمة ليست الوحيدة المتميزة بين أخوتها، فشقيقتها الكبرى تدرس الطب البشري في جامعة إدلب.

أما الطالبة “ياسمين المحمد” والتي كانت رغبتها في التفوق نابعة من حلمها بأن تهدي تفوقها لروح والدها الشهيد الذي قتلته طائرات النظام السوري فقد تمكنت من التفوق في الشهادة الإعدادية وحصلت على مجموع 278  من أصل 280 درجة لهذا العام.

والدة ياسمين قالت لزيتون: “لمست عندها الرغبة في أن تكون من الأوائل وشجعتها على ذلك، وبسبب الظروف في المنطقة فقد كانت مع بعض رفيقاتها يتابعن دراستهن في منزلنا حيث يأتي الأساتذة ويقدمون لهن الدروس”، مضيفة: “تحملت تكاليف مادية مرهقة في سبيل أن تحقق ابنتي ما تريد”.

الحالة الأمنية وتعرض المحافظة للقصف المستمر انعكس سلبا على سير العملية التربوية، وواجهت مديرية التربية الحرة صعوبات كبيرة وخاصة في العام الدراسي الفائت، فموجات النزوح الكبيرة تسببت في تغير أماكن إقامة الطلبة، وهو ما حاولت مديرية التربية التلاؤم معه من خلال افتتاح مراكز جديدة لاستقبال الطلاب النازحين.

معاون مدير التربية الأستاذ “محمد الحسين” أفاد لزيتون بإلحاق الطلاب النازحين بعد تحديد مكان إقامتهم بالمراكز القريبة منهم بعد رفع القدرة الاستيعابية للمراكز، إضافة إلى توفير مراكز جديدة لاستقبال الطلاب الوافدين من مناطق التهجير.

وأضاف الحسين: “وصلت نسبة النجاح في امتحانات الشهادة الثانوية في الفرع الأدبي للعام الماضي إلى 44%، والفرع العلمي 69%، وسيكون هناك منح دراسية إلى تركيا للطلاب الثلاثة الأوائل في كل فرع، كما يتم التواصل مع بعض الجهات لتأمين منح للطلاب المتفوقين”.

وأشار مدير مكتب التربية في المجلس المحلي لمدينة سراقب “غسان شعبان” إلى ارتفاع عدد الطلاب بشكل ملحوظ هذا العام، ليصل عددهم  25950 طالب وطالبة، مما استدعى زيادة عدد المراكز الامتحانية.

وجاء في احصائية لفريق منسقو استجابة سوريا أنه تم استهداف 91 مدرسة في الشمال السوري المحرر وتراوحت نسب الأضرار ما بين  5% وحتى الخروج عن الخدمة بشكل كامل، وذلك منذ بدء الحملة العسكرية في شهر شباط الماضي.

كما أوضح الفريق أن34  مدرسة تم استهدافها في منطقة خان شيخون و13  مدرسة في كفر نبل و12  مدرسة في أريحا و5  مدارس في جسر الشغور ومدرستين في معرة النعمان وأربع مدارس في إدلب، أما المدارس المستهدفة في ريف حماة فكانت 13  مدرسة في المجمع الغربي و8  مدارس في المجمع الشرقي.

وترى “هالة حاج علي” إحدى المعلمات في ريف إدلب إن أسبابا عدة تقف خلف عرقلة سير العملية التعليمية منها عدم الاستقرار النفسي للطلاب، والنزوح المستمر ولأكثر من مرة، مع غياب الدعم الثابت للإدارة التربوية التي تقف عاجزة أمام مستلزمات العملية التعليمية، هذا فضلا عن القصف الذي يدمر المنطقة.

إن غياب التعليم عن جيل واحد من الأطفال يتسبب في إيجاد خلل مجتمعي مستقبلي، لما له من عواقب وخيمة وصعوبة تلافيه في المستقبل، وهذا الحال مستمر في مناطق الشمال السوري منذ ما يزيد عن الثماني سنوات، ولنا جميعا أن نتخيل ما سيكون عليه واقع الحياة حين ستكبر هذه الأجيال، إن لم يتم وقف الأسباب واستقرار المنطقة.

تم إنتاج هذه المادة بدعم من منظمة FPU

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*