قبل أن تغرق سفينة من؟.. تسجيل “أشداء” وبوادر لانتهاء النصرة

زيتون – زين عباس

“الظلم مؤذن بخراب العمران” هذا ما يقوله ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، واصفا كيف تمر الدول بأطوار الشباب والكهولة إلى الموت، وميل الحاكم بعد التأسيس والقوة إلى اللين والإسراف والدعة، و”جدع أنوف عشيرته وذوي قُرباه المقاسِمين له في اسم الملك”، واستفراده في الحكم، وإرهاق الناس.

تعاقبت أخطاء النصرة بزخم وعمق لافت في الفترة الأخيرة، رغم عدم قلتها سابقا، لكن المميز بها اليوم هو خروجها عن سيطرة الجولاني ووضوح الانفلات العناصر وتحولهم إلى عصابات صغيرة همها الكسب المادي.

وتلاحقت الانتقادات لها حتى من قبل مناصريها منذ بدء الهجمة الأخيرة لقوات النظام وانحسار سيطرة فصائل المعارضة على مناطق شاسعة، ولم تلق نظرات التساؤل من مناصريها أي جواب، تلاها قيام عناصرها بمنع المتظاهرين المتوجهين إلى الحدود التركية السورية في الأول من الشهر الحالي، والاعتداء عليهم، ثم جريمتهم ضد الطبيب عثمان الحسن بتفاصيلها الهمجية والعنيفة، والتقارب الشديد في التشبه بنظام الأسد بمسيرات التأييد التي سيرتها لتحد من المظاهرات المناهضة لها في إدلب، ليأتي التسجيل المصور لأشداء وعزله واعتقال الإعلامي الذي نشر أخر الأخطاء حتى الساعة.

من المرجح أن يكون انكشاف جبل الأخطاء متمثلا بالتسجيل الشديد الذي نشره “أبو عبدو أشداء” أول أمس الاثنين، قاتلاً، حتى دفع بالجولاني إلى التخلي عن مرونته، وهو المتنقل ما بين القاعدة والثورة بحسب ما تتطلبه الحالة، بعزل ومحاكمة “أشداء” بشكل سافر ومفضوح، دون أي اعتبار للجمهور “الذي يحترم عقله”، أتبع ذلك باعتقال حتى من صور ومن نشر.

لا يحمل حديث القيادي معلومات جديدة، ورغم معرفة الجميع بها -بمن فيهم مناصرو الجولاني- إلا أن “المفصل الأمني” المتقدم في الأولوية على “المفصل العسكري” لم يكن ليسمح بتسرب معلومات أقل مما قاله أشداء بكثير، في حين خشي الآخرون عصاها وألسنة غلمانها.

من المرجح أن يكون التسجيل قاتلا للجولاني لعدة أسباب، أهمها أنه يأتي ضمن سلسلة من الأخطاء المتلاحقة كشفت بشكل فج مشروعها، وهي في أضعف حالاتها، ثم ما يشكله التسجيل من تحريض محق ضدها، للانتفاضة عليها، وبدء مظاهرات ستبدأ مواربة ثم تسقط الجولاني على حين غرة، كما جرى وكما يبيت ثوار الداخل يوم غد الجمعة.

ومن اللافت أن القيادي الصريح “أشداء” لم يعلن انشقاقه وظل “كجندي مازال على رأس عمله بالهيئة” ذات “النظرة السطحية” والممارسة لـ “سياسة الكرسي الدوار”، رغم ما كال لها من اتهامات بـ “ظلم الجهاد والمجاهدين” و”ظلم الأمة وتسلطها عليها” و”مقاسمة الفقراء على أرزاقهم” و”مزاحمة العامة في العمل بالمحروقات” ، و”خضوعها للتفاهمات الإقليمية” و”بيعها لمناطق شرق السكة” ومناطق ريفي حماه وإدلب.

متمسكا بمنصبيه “كمسئول عام عن كتلة حلب المدينة وإداري عام لجيش عمر بن الخطاب” ينتقد “أشداء” تسليم الهيئة للموالين لها “حتى لو كان غير كفء عشرة مناصب”، ما دفع بـ “ترك أكثر من خمسين أخ مجاهد بسبب ضعف المنح وفقر المجاهدين” متخلين عن الحور العين.

قافزا من سفينة على وشك الغرق قدم “أشداء” رسالته تبرئة لذمته، من قيادة الجولاني المحارب “للتطوير والإبداع” والطارد “للكفاءات”، والكانز للمال، والذي يدعي صرفه للمال على بعض المجالات لكن.. “يتبين مع الأيام عدم  صدق ذلك”.

ويقول البعض إن “أبو عبدو أِشداء” كان من أكثر المتحمسين لضرب فصائل الجيش الحر، مدللين بتسجيل سابق له إبان سقوط حلب، اتهامه لتلك الفصائل بالتقاعس عن القتال، ويبدو أنه ما زال عند هذه القناعة في تسجيله الحالي بمطالبته “بتغيير مناهج العلمانية”.

لكن يبقى ما قدمه القيادي بمكاشفته عملا مؤثرا “خلف خطوط العدو”، ولا بد من أنه قد “جهز العدة المناسبة لذلك” قبل أن يقدم هذا التسجيل.

ويصف ابن خلدون العصابة الحاكمة قبيل سقوط الحكم: “إنهم مع هذا يحاولون إظهار القوة من خلال احتكار السلاح والجيش، وذلك لقمع الناس إذا أرادوا الثورة ومواجهة استئثار هذه النخبة الحاكمة للسلطة والثروة”، و”يلبسون على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل وحُسن الثقافة، يموهون بها، وهم في الأكثر أجبن من النساء على ظهورها”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*