عن معرة النعمان وتاريخها ومعاركها ضد الطغاة

دنست قوات النظام السوري بالأمس الأربعاء 29 كانون الثاني مدينة معرة النعمان إحدى أهم الحواضر في الشمال السوري وفي محافظة إدلب، بعد أن أمعنت فيها دمارا واستجلبت قوى غاشمة لمساندتها في محو المدينة الغارقة في العراقة والقدم.

وهناك منذ آلاف السنين، وعلى تلال ثلاث وضع السوري أولى حجراته لينشأ مدينة المعرة، في مكان يعين فيه المسافرين بين حلب ودمشق، ويجاور فيه مملكة الألواح الطينية إيبلا.

مر الكثير من الطغاة عليها ولم تسلم من أطماع كل توسع واحتلال، وخاضت حروبا مريرة كان أخرها مع النظام الحالي، وشهدت المدينة عبر تاريخها غزو الآشوريين واليونانيين والبيزنطيين والفرس والرومان، ووصلها المغول، لكنها بقيت بعد أن رحلوا.

منذ بداية الاحتجاجات برزت معرة النعمان كمعقل للمعارضة السورية في الشمال، رافضة حكم الأسد، وسجلت أولى مظاهراتها في آذار 2011، لتتصاعد وتيرة الاحتجاجات وتبلغ ذروتها في جمعة العشائر التي كانت أكبر المظاهرات في المحافظة بعد أن أمتها جموع المتظاهرين من كامل مدن وبلدات إدلب في العاشر من حزيران 2011.

استخدم النظام السوري القوة المسلحة في قمع المظاهرة وشاركت خمس مروحيات في استهداف المتظاهرين سقط خلالها أحد عشر شهيدا في أولى مجازر النظام في المدينة، أعقبها انشقاق تسعة أعضاء من حزب البعث.

وتمكن شبان المدينة المنتمين للجيش الحر من تحرير المدينة من قوات النظام السوري بشكل كامل في تشرين الأول 2012، لتنشأ قوات النظام معسكرا في وادي الضيف، لمواجهة أي تحركات أو اضطرابات جديدة في المعرة، كما قام بقطع الطرق وإنشاء الحواجز العسكرية على طول الطرق المؤدية إلى معرة النعمان لقطع الطريق أمام وصول أي محتجين من القرى والبلدات القريبة من المدينة.

وبسبب قربها من معسكر وادي الضيف عانت المدينة من قصف مدفعي متواتر ومستمر، كما شهدت خلال السنوات اللاحقة عشرات المجازر التي ارتكبها الطيران الروسي والسوري، لم يوفر أسواقها ومشافيها وأحيائها السكنية، حتى بلغت أعداد الضحايا خلال يومين 99 شهيدا وثقتها شبكة حقوق الإنسان في سوريا.

وكانت حاضرة المعري تقوم بعد كل مجزرة بشد جراحها وترميم ما تهدم لتعاود الحياة بإصرار يشير إلى قوة وصلابة الأهالي في الاستمرار بالحياة.

لكن المدينة التي دفعت ثمن حريتها من دم أبنائها وقعت تحت عسف جبهة النصرة التي دأبت خلال سنوات على اجتثاث فصائل الجيش الحر واحدا تلو الأخر، حتى وصلت إلى أبناء معرة النعمان وفرقتهم 13، إذ قامت جبهة النصرة في آذار 2016 بمهاجمة مقار الفرقة في معرة النعمان وريفها واعتقلت بعض قيادييها ليخرج أبناء المدينة في تظاهرات استمرت أكثر من مئة يوم حاولت جبهة النصرة أكثر من مرة فضها بالرصاص والاعتداء على المتظاهرين.

وخلال الأعوام الثلاثة التي تبعت اعتداء النصرة حملت معرة النعمان لواء العداء للتنظيم المجرم، الذي اتخذ من أهالي إدلب رهائن له، يحتمي بهم ويبتزهم ويستولي على أرزاقهم دون أن يبطش بجهازه الأمني بشبابهم وثوارهم، لتغدو المعرة عصية عليه.

برز العنصر النسائي في مظاهرات المدينة كعلامة على فاعلية دور المرأة في المجتمع المعري، حتى قادت النساء الكثير من الاحتجاجات ضد التنظيمات المتطرفة موجهة أقسى الرسائل لكل من النظام والنصرة على حد سواء.

واليوم بعد تكشف دور جبهة النصرة في ضرب الثورة وإضعاف جبهة المحرر وحرمانه من كل مقومات الصمود يتضح صوابية ما كان أهالي المعرة يحاولون قوله طيلة السنوات الماضية.

إلى الشمال من معرة النعمان تربض البلدات والمدن والقرى في ذعر وخوف، وهم يرصدون شتات جيرانهم مدركين أن الوقت قد شارف على الانتهاء، وأن أقنعة الأصدقاء الأتراك المزيفة لم تعد قادرة على الصمود، كما لم تعد لحى النصرة تصول شوارعهم مستعرضين لثامهم وأسلحتهم.

أمام لحظة فارقة لا يجد أهالي الشمال سوى أن يهددوا الذي ضمنهم أمام الروسي، محاولين التجمع على الحدود التركية في باب الهوى، لكن نار هيئة تحرير الشام الفصيل الذي صم آذانهم بشرع الله، وقتل أبنائهم بدعوى توحيد الكلمة، وسرق أرزاقهم بحجج الزكاة، يردعهم بما تبقى له من قوة مانعا إياهم من الوصول إلى الحدود.

يؤخر المدنيين في إدلب خروجهم من بلداتهم إلى أخر فرصة، رغم ما يحمله البقاء من مغامرة ثمنها الحياة، معتبرين أن كل لحظة في بيوتهم هي جنتهم الأخيرة قبل الموت والنزوح، متجاهلين إلحاح أبنائهم في الخارج للإسراع بالنزوح ولو إلى العراء.

في تخلٍ غير مفاجئ، يقلب التركي وجه المجن للمدنيين في إدلب، بعد أن أخذ ما أراد من مناطق كردية وحدودية كانت بحكم الكابوس له، ليتوارى أردوغان دون حتى أن يتكبد عناء التصاريح الدبلوماسية.

تحت برد الشتاء ونار القصف وضياع النزوح، ستمر أيام عصيبة على النازحين مترقبين ما ستؤول إليه أوضاعهم بعد أن سلبهم الجولاني فصائلهم وثورتهم وبعد أن تاجر بهم الضامن التركي ليتركهم لقمة سائغة أمام نار الطائرات الروسية وسط صمت هو أقرب للموافقة من دول العالم على ما تقوم به روسيا والنظام السوري.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*