البرد يقتل أطفال سوريا في مخيمات النزوح

“نزل التلج بوقت نحن مالنا مبسوطين فيه ” كتبها أحد السوريين يوم أمس الأربعاء، معبرا فيها عن معاناة آلاف النازحين والذين يبيت الآلاف منهم في العراء، وفي منازل على الهيكل، وسط ظروف جوية سيئة للغاية مع تدني درجات الحرارة إلى 9 درجات تحت الصفر، وانعدام وسائل التدفئة.

في الشمال السوري تتعقد الأمور لتخلق أوضاعا أكثر صعوبة تزيد من عذابات السوريين منخفض جوي، وأنباء موت في المخيمات، ونازحون يهربون من مدنهم ليلا سيرا على الأقدام هربا من طائرات النظام الحربية وصواريخه، أطفال ونساء على الطرقات وفي العراء، وحكومة إنقاذ ليس لها من اسمها شيء، ومنظمات إنسانية وإغاثية وقفت عاجزة أمام هذه المأساة الإنسانية.

في مخيمات عفرين بريف حلب الشمالي، توفيت طفلة نازحة في حضن والدها صباح اليوم الخميس، أثناء محاولته الوصول بها إلى مشفى مدينة عفرين، بعد إصابتها بنزلة تنفسية بسيطة، بسبب انخفاض درجات الحرارة وعدم توفر وسائل التدفئة.

وقال أحد العاملين في مشفى عفرين، إن والد الطفلة وصل بها إلى المشفى التي تبعد عن مخيمهم بضعة كيلومترات ظنا منه أنها لا تزال بخير وتعاني من نزلة تنفسية، لكنه لم ينجح بإيصالها إلى المشفى حية وفارقت الحياة.

وأضاف الدكتور حسام حمدان على حسابه في فيسبوك، “خرج والدها بها من خيمته التي تبعد عن مشفانا بضعة كيلومترات لأنها تعاني من نزلة تنفسية بسيطة.

أحضر كل ما يملك في خيمته المهترئة ليدفئها

أشعل نفسه ليجعل من جسده موقدا يدخل الدفء لقلبها الصغير

ضمها بكل ما يملك من قوته واحتضنها بقلبه وأغدق عليها بدموعه الدافئة يرطب وجهها الندي

ومشى منذ الخامسة فجرا بين الثلوج والرياح

مشى بين ما تبقى له من ركام وطنه

تعثر حينا فجعلها فوق رأسه باغتته الرياح فحماها بظهره

بين الحفر المملوءة جليدا مشى بحذائه المهترئ

تجمدت أطرافه لكن بقي قلبه يحضنها

مشى لساعتين ثم وصل لمشفانا

بصعوبة بالغة فصلنا جسده وقلبه عنها ثم كشفنا على وجهها الملائكي وجدناها مبتسمة لكن كانت بلا حراك”.

وفي مخيم القطري في منطقة اعزاز بريف حلب الشمالي، توفي الطفل “أحمد محمد ياسين”، جراء موجة البرد والصقيع، التي اجتاحت الشمال السوري خلال الأيام الماضية.

وقال والد الطفل إن طفله البالغ من العمر ثلاث سنوات توفي بسبب البرد الشديد الناجم عن موجة الصقيع التي تضرب شمالي سوريا، مشيرا أن المنظمات الإنسانية وإدارة المخيم لم تزودهم بوسائل التدفئة.

ولفت والد أحمد أن طفله لم يكن يعاني من أي مرض قبل وفاته، لكن البرد الشديد تسبب بمرضه بالإسهال والإقياء الشديدين، وتفاقمت حالته لتنتهي بوفاته.

في أحد مخيمات النازحين المنتشرة على الحدود التركية شمال سوريا، توفي الطفل “عبد الوهاب أحمد الرحال” نتيجة البرد الشديد ونقص الخدمات التي تقدمها المنظمات الإنسانية للمخيمات، مما دفع بعائلة الطفل إلى أن تستخدم ملابس “البالة” للتدفئة، نتيجة نقص المحروقات ووسائل التدفئة في المخيم، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون.

وقال ناشطون إن الطفل البالغ من العمر سبعة أشهر، توفي فجر يوم الثلاثاء بسبب البرد في خيمتهم المهترئة في مخيم الجزيرة بتجمع مخيمات أطمة على الحدود السورية التركية شمال إدلب، حيث قامت عائلته النازحة من مدينة خان شيخون بنقله للمشفى إلا أنه كان قد فارق الحياة، وشخص الأطباء وفاته بسبب البرد.

وتوفي أربعة مدنيين من عائلة واحدة “أب وأم وأطفالهم” من بلدة كفروما بريف إدلب الجنوبي، خنقا داخل خيمتهم في مخيم الضياء في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، وذلك بسبب سوء وسيلة التدفئة المستخدمة، حيث تركوا مدفأة مشتعلة ضمن الخيمة ما تسبب باختناقهم ووفاتهم.

وسجل خلال الأيام الماضية عشرات حالات احتراق خيم النازحين بسبب مدافئ الوقود، بسبب استخدامها ضمن خيم قماشية ما يعرضها لمخاطر الاشتعال والتسبب بحرائق كبيرة، وقد تتسبب بحالات وفاة.

يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه حجم المأساة الإنسانية لمئات آلاف المدنيين النازحين شمال سوريا، ممن باتت الخيم مأواهم، وسط تصاعد معاناتهم يوميا بسبب البرد والفيضانات والأمطار والثلوج وموجات الصقيع.

وفقا لإحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” توفي 15 طفلا نازحا، غالبيتهم من الرضع، في سوريا جراء البرد القارس والنقص في الرعاية الصحية في عام 2019 بينهم 13 طفلا لم يبلغوا عمر السنة.

ونزح نحو 700 ألف شخص شمال سوريا خلال ثمانية أشهر بحسب تقديرات الأمم المتحدة، بسبب قصف النظام وروسيا، حيث يعانون ظروفا إنسانية صعبة وسط عم توفر أدنى مستلزمات الحياة وخاصة في ظل موجة البرد التي تضرب المنطقة، وغياب وسائل الدفئة عن خيام ومنازل الكثيرين.

وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير أصدرته اليوم الخميس، إنها وثقت مقتل 167 مواطنا سوريا بينهم 77 طفلا، بسبب البرد في سوريا منذ آذار 2011، موجهة نداء عاجلا لإغاثة قرابة 700 ألف مهجر قسريا بسبب هجمات قوات النظام وحلفائها على شمال غرب سوريا، في ظل موجة البرد التي تضرب المنطقة.

وذكر التقرير أن قرابة 689 ألف شخص قد تشردوا في الشهر الأخير بسبب العمليات العسكرية التي تشنها قوات النظام السوري وحلفائها على مدن وبلدات عدة في شمال غرب سوريا، في ظل خضوع المنطقة لموجات من البرد الشديد حيث وصلت درجات الحرارة في اليومين الماضيين إلى 8 درجات تحت الصفر.

وأكد التقرير أن قوات النظام وحلفائها جعلت من السكان المدنيين هدفا لهجماتها، ومارست القصف العشوائي بصورة بربرية بمختلف أنواع الأسلحة، وبحسب التقرير فإن القصف العشوائي وعمليات الاعتقال وقتل المدنيين التي تمت في مناطق سابقة سيطرت عليها هذه القوات هو السبب الرئيس، الذي دفع سكان مدن للفرار بنسبة تتجاوز الـ 95 % نحو مناطق لا يسيطر عليها النظام السوري وحلفاؤه.

وسجل التقرير منذ آذار 2011 حتى 31 كانون الثاني/ 2020 مقتل 167 مدنيا، جراء البرد في سوريا، بينهم 77 طفلا و18 سيدة (أنثى بالغة)، قضى 146 منهم على يد قوات النظام السوري بينهم 25 قضوا في سجونه نتيجة البرد، فيما توفي 11 مدنيا بسبب البرد على يد قوات سوريا الديمقراطية، و5 على يد تنظيم داعش، فيما قضى 5 آخرين في أثناء هجرتهم إلى أوروبا.

لم يعد القصف وحده من يقتل السوريين، فالفقر والبؤس والجوع والبرد والمرض وعوامل كثيرة باتت تهدد حياتهم في مخيمات النزوح.

تتصدر مأساة النازحين السوريين منذ أعوام، عناوين وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، لكن من دون حلول لهذه الأزمة الإنسانية المتواصلة، وسط عجز منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، ويبقى لدى السوريين أمل للعودة إلى بيوتهم وبلداتهم، لكن إذا ما سألتهم متى تبقى الدمعة والحسرة هي الجواب.

 
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*