ما مدى تأثير العقوبات الأوروبية وقانون قيصر على السوريين والنظام؟

عدنان صايغ
منذ عام 2011 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على النظام السوري شملت مجموعة من الإجراءات منها حظر تصدير النفط، وبعض المواد والأدوات ذات الاستخدامات التي يمكن للنظام السوري استخدامها لقمع الشعب السوري.

وطالت العقوبات الأوروبية مجموعة من رجال الأعمال والشخصيات ذات النفوذ، والذين ساهموا بتمويل العمليات العسكرية، بلغ عددهم 270 شخصا، إضافة إلى مجموعة من الشركات والمؤسسات التي يستخدمها نظام الأسد في تمويل أنشطته العسكرية.

تمكن النظام السوري من الالتفاف على العقوبات الأوروبية، وخصوصا أنها عقوبات محدودة وجزئية، ما جعلها غير فعالة أو مؤثرة على النظام، الذي تسانده كل من روسيا وإيران، ولديه النافذة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله، والتي تسمح له بتمرير كل المستلزمات التي يحتاجها لاستمرار وجوده وعلى رأسها شحنات النفط الإيرانية والأسلحة.

لكن قانون قيصر يمتاز بالفاعلية والقوة لسببين، أولهما فاعلية وقدرة العقوبات على التأثير الفعال والمباشر، سواء للأشخاص أو الكيانات التي تتعامل مع نظام الأسد، وذلك لما تمتلكه الولايات المتحدة من سيطرة على الاقتصاد العالمي وقدرتها على تجفيف مصادر الدخل لأي كان.

وثانيهما شمولية عقوبات قيصر، حيث أن القانون كان واضحا في استهداف كل شخص أو كيان أو مؤسسة تقدم دعما للنظام السوري، وفي كل المجالات، ما يضع النظام في زاوية ميتة، ويحرمه من أية مشاريع مستقبلية مع أي أشخاص أو مؤسسات أو دول، وهو ما بدا واضحا من ابتعاد كثير من الاستثمارات التي كانت بعض الدول تنتوي تنفيذها مع النظام السوري.

لكن يبقى قانون قيصر بنظر البعض مرهونا بمسألتين، الأولى هي مدى جدية الولايات المتحدة على تطبيقه، لا سيما بوجود روسيا في سوريا، وقدرتها على التلاعب بالعقوبات، والثانية مدى تأثيره على الشعب السوري.

ورغم ما للنظام من خبرة في التعايش مع العقوبات التي فرضت عليه سابقا، إلا أن قانون قيصر يبدو قويا وقاسيا، وكانت أولى تأثيراته في انهيار الليرة السورية بشكل قياسي، كما بدت تأثيراته في ظهور الخلافات العائلية لدى المقربين من الأسد وعلى رأسهم رامي مخلوف، إضافة إلى الانتقادات والتلميحات القاسية من الجانب الروسي حول فشل الأسد ونظامه في إدارة سوريا.

في الوقت ذاته تأثرت حياة السوريين بشكل حاد جراء العقوبات وانهيار الليرة السورية، سواء في مناطق سيطرة النظام أو في المناطق الخارجة عن سيطرته، وجاء التأثير على شكل ارتفاع حاد بالأسعار، وضعت شرائح واسعة من السوريين في حدود المجاعة والعوز، وبالنظر إلى دخل الموظف السوري، فإن راتبه الشهري 50 ألف ليرة سورية، لا يمكن أن تكفيه عشرة أيام، إن قارناها بسعر الكيلو غرام الواحد من اللحم والذي يصل إلى 14 ألف ليرة سورية.

في الشمال السوري حدثت هزة عنيفة عند الأهالي بعد ارتفاع الأسعار، في ظل غياب أي تنظيم أو رقابة، تجلت في انقطاع بعض الأدوية وارتفاع أسعارها، والتي كان الأهالي يعتمدون فيها على المنتجات الدوائية المحلية، والتي ساهم انهيار الليرة في توقف الكثير من مصانع الأدوية وتوزيعها.

كما لم يفيد اعتماد الليرة التركية بشيء، بسبب دخل السكان المعدوم والمرهون في الجغرافية السورية، وما يزال الشمال السوري اليوم مرتبكا بتعاملاته النقدية واعتماده على الليرة السورية أحيانا والليرة التركية أحيانا أخرى، بحسب ما يفرضه أصحاب رؤوس الأموال والتجار بتحديده لنوع العملة التي يرغبون بالتعامل فيها، وهو ما يكلف المواطن البسيط خسائر تحويل العملات.

نعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية غير جادة في إحداث انتقال سياسي حقيقي في سورية، وأن العقوبات الاقتصادية المفروضة عبر قانون قيصر قد تضعف النظام السوري لكنها لن تسقطه، إلا إذا كانت الولايات المتحدة جادة في العملية السياسية.

كما نعتقد أن الولايات المتحدة لديها القدرة على الضغط على النظام السوري والروسي، بطرق أخرى أقل تأثيرا على الشعب السوري المنهك أساسا، وتبقى سياسة العقوبات هي سياسة اللاعب البعيد، الغير مهتم بإنهاء الأزمة السورية، لكنه قادر على التأثير بمجرياتها.

يختلف النظام السوري عن باقي الدول في بنيته المافيوية، فهو لا يعتمد المؤسسات أساسا له في الإدارة، بل تقوم على مبدأ العصابة في السيطرة على مقاليد الحكم، بعد أن وضع جميع المجالات الاقتصادية تحت إشراف أفرعه الأمنية والمخابراتية، وبذلك يمكنه التعايش مع أية عقوبات مهما بلغت شدتها وتأثيرها بالترهيب والقمع واستعمال القوة.

وتتسع معاناة السوريين لا سيما في الشمال لتصل إلى تأمين المياه للأطفال، وربطة الخبز، وعبوة الغاز، وإيجار المنازل للنازحين، وتحول الفواكه واللحوم إلى ترف لا يملك المواطن القدرة على التفكير فيه، فضلا عن صعوبات التعليم والانتقال والبطالة.

في الوقت ذاته تركت هيئة تحرير الشام ترتع مستغلة الأهالي بالضرائب على الحياة الاقتصادية في الشمال، كما تركت تصول وتجول قامعة أي محاولة من الأهالي، لتبقى شماعة للنظام وروسيا لتهديد المدنيين بشن معارك وشيكة، في تحشيد مستمر تشارك به تركيا، ليزداد الخناق على ما يقارب الأربع ملايين سوري.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*