فساد وتمييز وفضائح النظام السوري تسببت بأزمة الخبز و جوع السوريين

نشرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريرا موسعا حول فساد الحكومة السورية وسياستها التميزية ما فاقم نقص القمح في سورية.

كما قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن تقاعس الحكومة السورية عن معالجة أزمة الخبز، الناجمة عن عقد من النزاع المسلح، بصورة عادلة وملائمة يدفع بملايين السوريين نحو الجوع.

وجاء في التقرير أن النقص الحاد في القمح جاء بعد الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، إلى جانب التدمير الكبير للبنية التحتية من قبل الحكومة السورية وحلفائها في المقام الأول طوال عقد من النزاع، كما ساهمت الحكومة السورية الأزمة، إذ سمحت بالتمييز في توزيع الخبز، إلى جانب الفساد والقيود على كمية الخبز المدعوم التي يمكن للناس شراؤها، وهي عوامل أدت إلى الجوع.

سارة الكيالي، باحثة سوريا في هيومن رايتس ووتش قالت: “يقول المسؤولون السوريون إن ضمان حصول الجميع على ما يكفي من الخبز هو أولوية، لكن أفعالهم تظهر عكس ذلك، الملايين في سوريا يعيشون الجوع، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تقصير الحكومة في معالجة أزمة الخبز التي ساهمت في خلقها”.

وفي تحقيقاتها التي شملت مواطنين سوريين في مناطق سيطرة النظام وأصحاب مخابز وعمال إغاثة في مختلف المحافظات التي يسيطر عليها النظام، أكد الجميع على الصعوبات المتزايدة في الحصول على الخبز والمواد الغذائية الأخرى.

وتعتبر مادة الخبز الغذاء الأساسي لدى السوريين، وكانت سوريا قبل 2011 تنتج ما يكفي من القمح لتلبية الاستهلاك المحلي، وتعتمد عليه الفئات المحدودة الدخل، لكن العمليات العسكرية التي شنها النظام السوري أدت إلى انخفاض الإنتاج ودفع بملايين السوريين إلى الفقر، ما دفعهم أكثر إلى الاعتماد على مادة الخبز في غذائهم.

وجاء في التقرير أنه في 2020، خسرت سوريا 943 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بين 2010 و2018، بسبب العمليات العسكرية، وتهجير المزارعين وعمال المزارع، وسوء إدارة موارد الدولة، والتكاليف المرتبطة بالنزاع، بما في ذلك تغير الجهات المسيطرة على أجزاء من البلاد. كانت بعض الخسائر في الأراضي بسبب الضربات الجوية غير القانونية التي شنها التحالف العسكري السوري-الروسي، والتي تصاعدت في 2015 ويرقى بعضها إلى ما يبدو أنها جرائم حرب. لم تقتصر الضربات على تدمير الأراضي الزراعية فحسب، بل دمرت أيضا مخابز عدة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة آنذاك.

وبحسب التقرير فإن النظام السوري عجز عن شراء واستيراد القمح سواء من الخارج أو الداخل (المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية) والتي تشكل معظم الأراضي التي تنتج القمح في سوريا، وذلك جراء انهيار سعر العملة السورية.

كما يشير التقرير إلى تأثيرات العقوبات الأمريكية المتمثل بقانون قيصر، وتخوف رؤوس الأموال وحتى الجانب الروسي حليف النظام من تزويد النظام بمادة القمح، مضيفة ما تناقلته وسائل الإعلام خلال الشهر الماضي من أن تركيا ستسلم عدة مئات أطنان من القمح إلى سوريا، من خلال صفقة بوساطة روسية.

وترى منظمة هيومن رايتس وواتش إن ما تمارسه الحكومة السورية من تمييز، وسياسات جديدة متعلقة بالخبز، وفساد يمس مباشرة بقدرة العائلات على تأمين ما يكفي من الخبز.

وكانت الحكومة السورية قد أعلنت عن تقليص كمية الخبز المدعوم ومن ثم ضاعفت سعره وذلك في تشرين الأول الماضي، ما دفع بالأهالي إلى تقليص وجباتها، وبات الآباء يوفرون وجباتهم للأطفال، وتوقف الكثير منهم عن تناول باقي أنواع الأطعمة كالأجبان واللحوم، مقتصرة على الخبز، المغمس بالشاي لتحسين مذاقه السيء أصلا.

وأكد سوريون على التمييز الذي تنتهجه سياسة الحكومة السورية لتخصيص طوابير بعناصر الجيش والأمن، تكون لها الأولوية، فيما قال تقرير صادر عن “معهد نيوزلاينز” إن الأجهزة الأمنية السورية تتدخل في توزيع الخبز والقمح، بما يشمل أخذ الخبز من المخابز وبيعه في السوق السوداء.

دُمرت العديد من المخابز أو أصبحت غير صالحة للعمل أثناء النزاع، ولكن من الصعب تأكيد العدد الدقيق المتضرر. تزعم وزارة الصناعة والتجارة أن التركيز على إعادة التأهيل أدى إلى زيادة عدد المخابز القابلة للتشغيل إلى 178 في 2019، مقارنة بـ 65 عام 2016. لكن السكان وعمال الإغاثة في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة قالوا إن تقريبا نصف المخابز في تلك المناطق ظلت مدمرة أو متضررة، ما أجبر الناس على التنقل مرورا بنقاط التفتيش أو الانتظار في المخابز المكتظة حيث لا يوجد في كثير من الأحيان ما يكفي من الخبز للجميع في الطابور.

ويرى التقرير إن روسيا، بصفتها طرف في النزاع في سوريا، مسؤولة عن تقديم تعويضات عن الانتهاكات التي كانت ضالعة فيها، بما في ذلك رد الحقوق والتعويض عن الخسائر، والتي قد تشمل إصلاح المخابز وسلاسل التوريد، أو توفير صادرات القمح بالقدر الذي يغطي خسارة الأراضي الزراعية المحترقة/البنية التحتية المدمرة التي كانت روسيا مسؤولة عنها بموجب القانون الإنساني الدولي.

وقالت نشرة اقتصادية متخصصة إن ما يزيد عن 70 بالمائة من القمح السوري يزرع في مناطق السيطرة الكردية، وتراجعت حصص النظام لا سيما مع تفضيل المزارعين بيع محصولهم محليا، إضافة إلى ما دمرته الحرائق والتي تقدر بـ 35 ألف هكتار وهو ما فاقم من الأزمة في سوريا.

وفي عام 2020 أعلن مدير المؤسسة العامة للحبوب أن هناك ما يكفي من القمح لجميع المخابز في مناطق سيطرة النظام، لكن الأهالي في تلك المناطق أكدوا إن الخبز المتوفر كانت نوعيته رديئة ويكاد يكون غير صالح للأكل.

التمييز في التوزيع

قالت ناشطة مجتمعية زارت ريف دمشق، وحمص، وطرطوس لـ هيومن رايتس ووتش إن الأفران المدعومة من الحكومة فيها طوابير منفصلة لكل من السكان العاديين، والنازحين، والجيش والمخابرات. كان طابور الجيش والمخابرات هو الأسرع، بينما تحرك النازحون بمعدل مكان واحد لكل خمسة أماكن في الخط النظامي. في بعض الأحيان، كان عمال المخابز يبعدون النازحين، بحسب الناشطة، ويقولون لهم “ارجعوا من وين ما اجيتوا” وإنهم كانوا سبب الأزمة. أكد سكان في السويداء، ودرعا، وحمص وجود نمط مماثل في هذه المناطق.

تختلف إمكانية الحصول على الخبز وفقا للحالة الاقتصادية للأفراد. تنتج المخابز الخاصة الخبز العادي و”الخبز السياحي”، والذي غالبا ما يكون أفضل جودة مما يباع في المخابز المدعومة من الحكومة، وغالبا ما يضاف إليه الحليب ومكونات أخرى، مثل السكر.

كما قال موظفا إغاثة يشاركان اثنان من عمال الإغاثة المشاركين في تقديم الغذاء والدعم المعيشي، وناشطة مجتمعية لـ هيومن رايتس ووتش، إن هناك أيضا مشاكل تتعلق بتوزيع الخبز والقمح من قبل بعض المنظمات الإنسانية. قالت الناشطة المجتمعية إن عددا قليلا فقط من المنظمات المحلية تقدم الخبز، وإن بعضها يوزع على أساس الإثنية، والطائفة، والمنطقة الأصلية للمتلقين.

أكد مسؤولان إنسانيان دوليان أن الحكومة السورية تزود فرقهم بقوائم المخابز لإعادة تأهيلها، لكن لا توجد وسيلة أمام منظمات الإغاثة لتحديد الحاجة في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة. قال مسؤول في منظمة إغاثية إن الحكومة توجه المنظمات الإنسانية بإعادة تأهيل المخابز وتوصيل سلال غذائية حسب الانتماءات السياسية للحي المعني، وليس على أساس الحاجة وحدها.

الفساد

في حين أصدرت الحكومة السورية قرارات تمنع المخابز غير المعتمدة من بيع الخبز المدعوم وتعلن عن حملة على مبيعات السوق السوداء، تلعب الأجهزة الأمنية السورية دورا رئيسيا في الاحتيال في مبيعات الخبز والقمح. وبحسب ثلاثة من سكان جنوب سوريا ودمشق وحمص ، فإن عناصر الأجهزة الأمنية السورية يأخذون بعض الخبز من الربطات ويبيعونه في السوق السوداء بأكثر من ضعف السعر.

أفادت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لسكان في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة عن بيع كميات كبيرة من الدقيق، والسكر، ومواد غذائية أخرى تقدمها وكالات إنسانية في السوق السوداء، بما في ذلك من قبل أفراد معروفين في الأجهزة الأمنية أو القوات المسلحة السورية.

كما عينت الحكومة السورية عناصر من قواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية كموزعين معتمدين للخبز في مناطقهم. وفقًا لمصدر لموقع “تجمع أحرار حوران” المحلي، في حالة واحدة على الأقل، باع الموزع المعتمد ربطات الخبز بضعف السعر الرسمي.

الهجمات على المخابز والأفران، وحرق الأراضي الزراعية، وانخفاض القدرة على إنتاج الخبز

منذ بداية النزاع،  دمرت القوات السورية، ولاحقا التحالف العسكري السوري-الروسي، المخابز والأفران بشكل منهجي في مناطق عدة، منها أجزاء من حمص، وحلب، وريف دمشق. كما هاجم التحالف العسكري السوري-الروسي الأراضي الزراعية، كانت آخر مرة في محافظة إدلب عام 2019.

يؤثر ذلك على قدرة المخابز على إنتاج وتوزيع ما يكفي من الخبز على السكان، ويفرض على السكان السفر لمسافات طويلة، حتى لو كانت مناطقهم قد عادت إلى سيطرة الحكومة.

بدأ برنامج الأغذية العالمي، و”منظمة الصحة العالمية”، ومنظمات إنسانية أخرى مشاريع لإصلاح المخابز. لكن عمال الإغاثة والسكان الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن المشاريع لا تستند إلى تقييم شامل للاحتياجات، وفي بعض المناطق التي تشتد فيها الأزمة، لم يتم إصلاح الأفران والمخابز.

النوعية الرديئة للخبز

يقول الأهالي في مناطق سيطرة النظام إن الخبز من المخابز الحكومية يكاد يكون غير صالح للأكل ولونه أسود لأنه قديم أو مختلط بالعدس أو الشعير، كما قال رجلٌ إن النوعية كانت سيئة لدرجة أن الخبز يجب أن يُغمس في الماء ليؤكل. وقال آخر إن هذا ينطبق بشكل خاص على الخبز المدعوم من الحكومة.

الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها السكان على وسائل التواصل الاجتماعي تصور الخبز جافا ومشققا. ادعى الكثيرون أن حجم الخبز يختلف من مخبز إلى آخر. قال رجل إنه يجب الانتظار لساعات في الطابور وتناول الخبز فورا وإلا أصبح غير صالح للأكل.

قال اثنان من أصحاب المخابز إن الحكومة تسيطر على توزيع القمح والطحين بسبب النقص، ونتيجة لذلك تستخدم عدة مخابز مواد أخرى لتكملة القمح في الخبز. وأكدوا أن نقص الوقود ساهم في ارتفاع أسعار نقل الخبز ومشاكل التجهيز.

المصدر هيومن رايتس ووتش

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*