ألف سبب للحزن في بيوت السوريين

0c3e4d4960f102

زيتون – منال الراوي

بدأت مأساتي بفقدان أمي وأختي وإصابة أخي، أبي هو الآخر ضرير لا يبصر النور.. لم يقف الأمر عند هذا بل انتهى بطلاقي وبالتالي خسرت زوجي أيضا.
أنا امرأة في الثلاثين من عمري، عشت حياة بسيطة ولا أطمح لأكثر من ذلك ولكن حتى هذا الأمر لم أحصل عليه.
في السنة الأولى من الثورة توفيت والدتي بعد صراع مع مرضها.. في بادئ الأمر كنّا نأخذها إلى دمشق من أجل جلسات العلاج، ولكن لاحقاً لم يعد بمقدورنا أن نقوم بهذا الأمر، والسبب في ذلك حملة النظام الهمجية وتقطيعه أوصال المدن وذلك بنشر حواجزه وعناصره المسعورة عليها، كما أن تكلفة العلاج المرتفعة كانت سببا أيضا في عدم ذهابنا إلى دمشق واكمال العلاج.. شهور قليلة وقضت أمي نحبها.
بعد وفاة والدتي ضاقت علينا الدنيا بما رحبت، وغادرت السعادة منزلنا وأصبح الحزن جليسنا.. لم أرى والدي بهذه الحال من قبل فقد ذهبت عيناه التي يرى بهما، ذهبت رفيقة دربه، كانت أمي تجره من يده إلى أي مكان يريد الذهاب إليه.
تمضي الأيام ببطء شديد، بطء يقتلنا في اليوم مئات المرات، بانتظار أن تتحقق أحلامنا وينتهي الكابوس الذي نعيشه.
في الشهر السابع من عام 2014 كان يوماً لن أنساه ما حييت، قذائف صاروخية تسقط على بلدة حاس من حاجز الحامدية في القريب وأصوات الانفجارات تملأ المكان وكأن الحياة انتهت وحضر الأجل، ما هي إلا دقائق وانتهى القصف وجميع أفراد عائلتي في المنزل بخير باستثناء أخي الذي كان يعمل.
“الله يستر، الله يتلطف، لا حول ولا قوة إلا بالله”، هي كلمات والدي التي تخللت الهدوء الذي عمّ أرجاء المنزل بعد انتهاء القصف، أصوات سيارات الإسعاف تملأ المدينة بحثا عن مصابين أو شهداء.
بكى أبي على غير عادته تفاجأت بدموعه، لم أفهم ما دفعه إلى البكاء، أهي احساس الأب بابنه هي ما أبكته قبل أن يصل خبر إصابة أخي بشظية جراء القصف.
طرقات على بابنا، نعم أصيب أخي هذا ما قاله لنا أحدهم، وقاموا بنقله إلى مشفى ميداني قريب من المدينة.
أخي طريح الفراش الآن، فقد أدت إصابته إلى إعاقة دائمة منعته من الحراك، ساءت أوضاعنا كثيرا بعد إصابته وعدم قدرته على العمل.
إصابة أخي دفعت أختي إلى العمل على عربة صغيرة كانت تجرها أمامها لنقل ما يصعب على الناس حمله وتتقاضى أجراً بسيطاً بالكاد كان يسد ما نحتاجه من معيشية.
لم يدم عمل أختي كثيراً، فذات يوم ملأ صوت طائرة حربية أجواء المدينة، وغصت القبضات اللاسلكية بتحذيرات المراصد للناس، كان الانفجار قوياً جداً، ثلاثة صواريخ ألقتها الطائرة كانت كفيلة بتحطيم الحياة لكثير من العائلات.
خرجنا للبحث عن أختي التي خرجت عند الصباح من أجل العمل على عربتها الصغيرة، فلم نجد لها أثرا في سوق المدينة، توجهت إلى مكان الصواريخ ففوجئت بعربتها الصغيرة ملقاة على جنب الطريق وكأن أحدا لاكها في فمه وألقاها.
بعد بحث طويل اقتربت من جثة مغطاة بالدماء والغبار لم استطع التعرف عليها.. لا ليست أختي هذا ما كان يدور في خاطري وأنا أقترب منها شيئا فشيئا ولكن!.. هي أختي التي خرجت للبحث عن لقمة عيشٍ نسد بها رمقنا، توفيت هي وآخرون وتبعثرت أشلاءهم على أسطح المنازل ومفارق الطرقات، يا له من وجع.
شهور قليلة وتقدم شاب لخطبتي وكان من خارج المدينة ولديه زوجتان، فآثرت على نفسي أن أكون الثالثة لأخفف العبء عن والدي الضرير.
تزوجت وخرجت للعيش مع زوجي في منزله الكائن في منطقة بعيدة عن مدينتي، وانقطعت أخبار والدي وعائلتي عني، لم أعرف مذاق الراحة سوى بضعة أيام فقد قرر طلاقي ولا أعلم السبب وراء ذلك وما الذي دفع زوجي إلى هذا الأمر، كل ما أعلمه هو ” اللي ما لو حظ لا يتعب ولا يشقى”.
عدت إلى مدينتي حاملة معي خيبة أمل كبيرة، وزدت هموم والدي بهذا الخبر أضعاف المرات، وهل لهذا القلب أن يحتمل ألماً بهذا الحجم فيما تبقى له من العمر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*