اغتصاب وزيرة ثقافة

78238_1_1405776664

زيتون – بشّار فستق

 مخرج مسرحيّ اتّهمته وزيرة الثقافة – آنذاك – بأنّه هجم عليها محاولاً اغتصابها!  نُقل بعد ذلك من الوزارة، ثمّ غادر إلى هولندا.

حدث هذا بعد أن كَلَّفت الدكتورة نجاح العطّار  كوزيرة للثقافة المخرج شريف شاكر  بتحضير ملفّ يُفصّل في الإجابة عن السؤال، كيف ننهض بالمسرح؟

ربّما توقّعت الوزيرة أن يطول العمل على الملفّ – كالعادة – شهوراً أو سنوات، أو أن يُنسى  تماماً، لكنّ الملفّ كان جاهزاً على طاولتها بعد أسابيع، فالمعروف عن شريف شاكر الدأب والعمل الجادّ، وقد وضع مرتكزات عمليّة لبدء التنفيذ وآليّات لها مثل اعتماد <<الربرتوار>> كبرنامج زمنيّ لمجموعة من العروض المسرحيّة المحضّرة مسبقاً، وغيره الكثير من الأسس والركائز لإيجاد وتدريب الكوادر البشريّة و..، ويبدو أنّ الدكتورة (حاصلة على دكتوراه بالمراسلة من مصر يقال إنّ حنّا مينة كتبها لها) فوجئت بالسرعة في إنجاز الملفّ وبأنّ فيه خطوات عمليّة فوريّة، فلم تجب بأيّة صيغة بحجّة الدراسة، واستمهلت المخرج مرّات، لكنّه ظلّ مصرّاً على الحضور والسؤال عن النتيجة، فالمسرح هو كلّ حياته.

أخذت مديرة مكتب الوزيرة دورها في تأجيل المواعيد ثمّ الإدّعاء أنّ الدكتورة مشغولة وأحياناً خارج المكتب، والكلّ يعلم أنّها تدخل وتخرج من الباب الخلفيّ، كجميع الوزراء.

أمّا كيف صارت وزيرة أصلاً، فذلك يتعلّق بحافظ أسد الذي أراد مرّة أن تكون هنالك امرأة في الحكومة لوزارة غير هامّة، وأمر اللواء خليفاوي بتنفيذ ذلك، وعندما قال الأخير ذلك أمام صديقه اللواء العظمة مدير الخدمات الطبّيّة العسكريّة، اقترح الصديق أن تكون زوجته نجاح العطار تلك المرأة – الوزيرة الثقافيّة؛ وكان ذلك.

أمّا شريف شاكر فهو حاصل على الدكتوراه من معهد غيتس – موسكو، وقد أخرج وترجم للمسرح القوميّ مسرحيّة “القضيّة” من تأليف “سوخوفو كوبيلين” ومسرحيّة “المفتّش العام” للكاتب الكبير “نيقولاي غوغول” وترجم للعربيّة أهمّ كتب في فنّ الممثّل “إعداد الممثّل” في جزأيه، وكتاب “إعداد الدور المسرحيّ” في جزأيه، وكتب أخرى هامّة في الفنّ المسرحيّ عموماً.

في آخر مرّة، حضر إلى مكتب الوزيرة، قالت له مديرة المكتب: الدكتورة ليست هنا. فتجاوزها المخرج الغاضب وفتح الباب المؤدّي إلى غرفة الوزيرة مباشرة ودخل،

في اللحظة ذاتها التي اتّصلت فيها مديرة المكتب بأمن الوزيرة القريب جدّاً، وقال شاكر للوزيرة التي نهضت: أنت هنا يا …، وتقولين لست هنا.. لماذا لا تريدين مقابلتي؟.. ماذا تفعلين هنا يا..؟…

أمسك الأمن به بعد أن قال ما أراد أن يقوله، فقد تساءل عن سبب عدم الردّ على المشروع الذي تقدّم به، وطبعاً لم يحظ بأيّ ردّ، بل قالت الوزيرة فيما بعد بأنّها ستقاضيه بتهمة “محاولة اغتصاب”!

تساءل البعض عمّن يمكن أن يغتصب هكذا كائن؟ وما هي التركيبة النفسيّة لمن تتمنّى أن تُغتصب؟ وأخيراً، تدخّل البعض لكي لا تتقدّم بشكوى أو ترفع دعوى.

تمّ نقل شاكر إلى وزارة الإعلام، ووضع في غرفة من غرف الهيئة العامّة للإذاعة والتلفزيون، يداوم بلا عمل، كالكثير من الوظائف في تلك الدولة.

قد يقول البعض، ماله ووجع الرأس؟! فليقبض الراتب ويسكت. لكنّ شاكر المبدع المثقّف المعطاء لا يستطيع أن يعيش كذلك؛ بعد مدّة قصيرة قدّم استقالته، وساعده بعض الأصدقاء في السفر إلى هولندا.

لم يحتمل قلب المخرج السوريّ شريف شاكر، فسكت في الغربة عام 1995 وهو لم يتجاوز الخمسين من العمر، ودفن هناك.

لا يرد اليوم ذكره بشكل رسميّ أو حتّى عرضي في أجواء ما يسمّى ثقافة أو فنّ، بينما تسمّى صالة المسرح القوميّ في اللاذقيّة باسم أسعد فضّة وهو على قيد الحياة ينهب ويهيمن على ما يريد من مواقع الإدارة والثقافة والفنّ، وقد جعل منها جماداً يمتطيه لعشرات السنوات، وما زال.

لا بدّ أن نذكر أنّ جميع مناحي الحياة قد تراجعت خلال تلك الحقبة، فالثقافة عموماً، والمسرح خصوصاً الذي نشأ وصعد في الخمسينيّات والستينيّات أفل وتحوّل إلى أداة بيد السلطة، وكان ذلك ينفّذ بأدوات كنجاح العطّار، والدليل أنّها أصبحت نائباً لما يسمّى برئيس لما يسمّى بجمهوريّة، والأصحّ أنّها نائبة (مصيبة) على الثقافة والشعب السوريّ.

مرّت عشرون عاماً أيّها المخرج السوريّ شريف شاكر على وجود جسدك في هولندا، لكن تراب حلب لم ينسك، وسيأتي اليوم الذي تعود فيه الأمور إلى نصابها، وتتحدّث أعمالك بملء حقّها في فضاء المسرح الذي عشقت، وتساهم في بناء الوطن الذي حُرمت من الإبداع فيه بحريّة وكرامة.