الدولار “يُلّهب” جيوب الدمشقيّين.. ومخاوف من “مجاعة خفيّة”

944007_477330329124719_2605920258090442810_n

زيتون – أسامة عيسى

لا صوت يعلو فوق صوته، ولا سؤال يتراود الأهالي سوى الاستفسار عن أحواله وما حل به صباح مساء. الدولار ولا شيء سواه اللاعب الأبرز في العاصمة دمشق، وضحيته الأولى – بعدما أصابه مؤخراً من ارتفاع جنوني – المدنيين فقط ولا أحد غيرهم.

الأزمة الخانقة التي بات أهالي دمشق يعيشونها نتيجة ارتفاع سعر الدولار المتواصل، أسفرت من حيث النتيجة عن الحدّ من التعاملات في أسواق العملة في معظم المناطق، حيث ارتفع الدولار ليرفع معه تكاليف الحياة المعيشية اليومية للمدنيين، ممن لا حول لهم ولا قوة سوى الاعتياش على ما تدره لهم أعمال المياومة أو مرتبات وظائفهم التي لا تفي بمتطلبات أسرة صغيرة، كما تقول هبة يعقوب، وهي موظفة في إحد دوائر النظام بدمشق.

وتضيف يعقوب في تصريح لـ”زيتون”: “وصل سعر صرف الدولار بدمشق، اليوم الأربعاء، إلى أكثر من 540 ليرة سورية في السوق السوداء. هذه كارثة حقيقة، بالنسبة لي أنا لدي زوجي الذي لا يجد عملاً يقوم به، كما لدي ست أولاد، مرتبي لا يتجاوز 25 ألف ليرة سورية، الناس تعتقد أنه مبلغ خيالي، في حين أنه لا يكفيني وأسرتي في حقيقة الأمر لـ8 أو 10 الشهر، وأحياناً وبعد حياة أشبه بالتقشف إلى 15 الشهر. باقي الشهر أستدين من هنا وهناك كي أجد ما أطعم به الأطفال”.

بالمقابل، سجل سعر الدولار في حلب نفس سعر دمشق تقريباً، فيما كان سعر الدولار في معظم المناطق السورية قريب من نظيره في العاصمة، لكن الحال في دمشق نفسها كان أردى نظراً لقلة الموارد الطبيعية، أو تلك البديلة التي قد تلجأ إليها الأسرة في سبيل إنعاش حياتها أو سد جزء من متطلباتها اليومية.

كما انعكس تصريف العملات في أسواق دمشق سلباً على الحياة المعيشية لشريحة كبيرة من السوريين وصولاً لحالتهم الصحية، لعدم تمكنهم من تأمين الغذاء وحتى الدواء. ووصل الأمر إلى إصابة عدد منهم بأمراض من قبيل سوء التغذية نتيجة “الريجيم القسري” المفروض عليهم، مقابل تحسن حال آخرين يتقاضون دخلاً بالقطع الأجنبي، أبرزهم أزلام ومن يصفهم السوريون أنفسهم بـ”تجار الحروب”.

أبو كفاح، مقيم بإحدى ضواحي دمشق، ويعمل في الأعمال الحرة، يشتكي ارتفاع الدولار وما حل به وعائلته المكونة من تسع أفراد، حيث يروي لـ”زيتون” مأساته بالقول: “والله لا نجد ما نأكل، نشتري الزيتون واللبن الذي لم يكن يوماً يغادر بيتنا بالأوقية والنصف أوقية.. لا يوجد لدينا موارد، أنا أعمل يومياً بمقدار 1000 ليرة سورية، هذه الـ1000 في هذه الأيام لا تكفي لإعداد طبق غداء أو حتى عشاء،. الطبخة التي كانت تكلف 100 أو 200 ليرة سورية الآن ارتفعت لتصل إلى 1500 أو حتى 2500 ليرة.. كل شيء غالي.. لا يوجد شيء رخيص إلا الإنسان هنا” على حد تعبيره.

ويقول “أبو كفاح” إن حواجز النظام السوري تلاحق المدنيين وتقوم بتفتيشهم بحثاً عن وجود عملة صعبة معهم، في إشارة منه للدولار تحديداً، ويؤكد أن له صديق تم اعتقالهم لكونه كان يحمل مبلغ قدره 1000 دولار وبقي لدى الأمن العسكري للنظام 6 أيام “ذاق ما فيه من النصيب وتمت مصادرة المبلغ دون إيضاح السبب” بحسب قوله.

وتشير المعلومات الواردة من العاصمة إلى تذبذب مستمر في سعر صرف الدولار أدى إلى اشتعال أسعاره في السوق السوداء، وسط اتهامات وجهت مؤخراً من قبل مواقع إعلامية موالية نسبت فيها تلك الأزمة إلى حاكم مصرف سوريا المركزي التابع للنظام، وقالت إنه المسؤول الأول عن التلاعب الحاصل في سعر الدولار، ما رفع نسبة التضخم حالياً في دمشق إلى قرابة 1000% وزيادة عنها ضعفين أو ثلاثة أضعاف في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

سلسلة عوامل أدت الى نزيف سعر صرف الليرة السورية المستمر، مع إنعدام الثقة في الاقتصاد التابع للنظام. ومن أبرز هذه العوامل تراجع احتياطي البنك المركزي للنظام نفسه من القطع الأجنبي من حوالى 19 مليار دولار في نهاية 2010 إلى دون 5 مليارات دولار وفق آخر التقديرات، بالاضافة الى تراجع الايرادات النفطية، نتيجة انخفاض الانتاج المستمر.

بالمقابل، نظرة سريعة في أسواق العاصمة “الشعبية” تعكس مدى حالة التردي الحاصلة والأزمة الكبيرة للأهالي، حيث وصل مثلاً سعر الكيلو الواحد من البندورة إلى 350 ليرة ومن الكوسا إلى 850 ليرة والباذنجان إلى 400 والثوم إلى 1000 ليرة والليمون 250 ليرة والتفاح 250 ليرة والبرتقال 130 ليرة، وسعر كيلو الحليب إلى 200 ليرة والجبنة إلى 800 ليرة والبيض إلى 1000 ليرة، رغم أن كافة تلك المواد هي إنتاج سوري، وهذه القائمة هي قائمة أسعار اليوم، كما تؤكد الناشطة ياسمين الدمشقي لـ”زيتون”.

وتضيف “هذه الأزمة التي يرجع المواطنون أنفسهم أسبابها إلى ارتفاع سعر الدولار المتواصل، بسبب انتفاع النظام أولاً منه وشبيحته ومسؤوليه ثانياُ، نتيجة ضعف الرقابة على الأسعار وانتشار الفساد والمحسوبيات بكثرة تحت أعين النظام نفسه، يخشى أن تؤدي في النهاية إلى أزمة أكبر قد تصل إلى مستوى مجاعة خفية بين أهالي العاصمة، الذين أصبحت مادة الجبنة أو الحليب على المائدة إحدى أمنياتهم..”.