نحو مستقبل سوري جديد شعار للتعليم والكادر التعليمي في مدارس السوريين بأضنة

12932831_1070014469736239_1647443193048231651_n

زيتون – عمر محمد
التعليم مهنة إنسانية وأخلاقية عظيمة، لكن نظام البعث الحاكم في سوريا، جعلها مطية لتوجيه الأطفال، من خلال طلائع البعث ثم شبيبة الثورة، فاتحاد الطلبة، حتى جاءت الثورة السورية التي غيرت كل هذه المعالم الفاسدة في تأسيس الأجيال السورية، واليوم وبعد مضي أكثر من خمسة أعوام من عمر الثورة، ورغم وجود بعض الأمور الخاطئة التي تؤخر مسير العمل التربوي والتعليمي إلا أن الأمور تسير في مسار جيد.
«محمد» طفل في الخامسة من عمره، ولد في سوريا بمدينة اللاذقية، كمئات آلاف الأطفال السوريين نزح مع والديه وإخوته إلى تركيا، أقام معهم في مدينة أضنا التركية، في حي يدعى «ياني بي محلسي»، وبحلول العام الدراسي الجديد 2015-2016، لم يستطع والده إدخاله المدرسة بسبب عدم وجود شواغر، ومضت الأيام حتى افتتحت مدرسة جديدة للسوريين في الحي الذي يقطنه، فذهب مع والديه للتسجيل فيها وكان قد مضى نحو شهر على افتتاح تلك المدرسة، أحس محمد بالسعادة كأي طفل سوري حرم من حقه في التعليم بعد النزوح، فأنطلق بروحه الثورية المشاغبة، يعبث هنا وهناك، في مدرسة «الشهيد توران».
أيضاً «علي» طفل سوري في الخامسة من عمره ولد في مدينة حلب، ونزح مع عائلته إلى تركيا، ويقيم حالياً في مدينة أضنا، وهو في مدرسة «الشهيد توران».
كذلك «مصطفى» طفل في الخامسة من عمره، من محافظة حلب، كان يقيم بريف حلب الشمالي مع عائلته، حين تعرضت بلدته لهجوم من تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي أهال البلدة بالقذائف، وسقطت إحداها على منزلهم، فارتقى جده وجدته شهداء وأصيبت يده، والتي بترت بعد نقله إلى المشفى الميداني، حيث سأل الأطباء ذويه «من الأهم الطفل أم يده؟» كما أخبرتنا والدته، وعلى غرار محمد وعلي، أنتقل مع والديه إلى مدينة أضنا التركية، وهو الآن في مدرسة «الشهيد توران».
دخل الأطفال الثلاثة في حياتهم الدراسية «الجديدة» فكان «محمد» كثير الحركة، وكان «علي» متعلقاً بوالديه جداً، وكان «مصطفى» انطوائي بسبب الضرر النفسي الذي لحق به، ومن «حسن حظهم» أن الكادر الإداري والتدريسي، في مدرسة «الشهيد توران» متميز، بحكم معرفتهم أن هؤلاء الأطفال هم مستقبل سوريا.
وبدأت الأمور تسير بمنهج ثابت، حيث يجتمع الطلاب عند الساعة الثانية ونصف من عصر كل يوم، في أرتال بحسب شعبهم، ويرددون شعارهم «الله ربي، والإسلام ديني، والقرآن كتابي، والكعبة قبلتي، ومحمد «ص» نبيي».
وتعلموا أول دروسهم «أنا مواطن سوري، بلدي الأم سورية، عاصمتها دمشق، لغتي العربية، مهما طال الزمن، سنعود يوماً إلى سورية»
بد أ يوم «محمد» بكثير من الشغب -عنفوان الطفولة- والركض والإنتقال من مقعد لآخر، ومع وجوده بصف الأستاذ «محمد بهاء الدين» خريج «كلية الشريعة» والذي تم تعينه مدرس للصف الأول الابتدائي، وكان «محمد» أصغر رفاقه سناً، وتأخر تسجيله حتى فاته عدد من الدروس أهمها، حروف اللغة العربية، التي أنهاها رفاقه وبدؤوا بالدروس التالية، وكون «محمد» لم يكن يفهم شيء في مدرسته، أضطر أن يدرس في المنزل، وتكون المدرسة للعب وتفريغ طاقاته، فأرسله أستاذه إلى المرشدة الاجتماعية، والتي طلبت بدورها منه أن يعتذر قامت بنقل «محمد» إلى شعبة جديدة، وكانت المعلمة «ياسمين» التي أنهكت نفسها بابتداع أشياء جديدة جعلت طلابها يتعلقون بها، وبطريقتها المثالية للتدريس، من حيث تشجيع طلابها، وتعبها وجهدها، وبعض الأمور البسيطة التي قدمتها لهم، ولكن كان أثرها كبيراً في نفوسهم، أدى لتفوق «محمد» ورفاقه دراسياً، وأسهم ذلك في جعلهم يحبون مدرستهم «الشهيد توران».
تأخر تسجيل «علي» في المدرسة، حيث أنه لحق بباقي رفاقه في الفصل الدراسي الثاني، ولكنه كان شديد التعلق بوالديه، فبعد أن يقوم والده بتوصيله إلى مدرسته، ويلحقه بشعبته في الاجتماع اليومي، يصرخ ويبكي منادياً والده، ألا يتركه ويغادر.
لاحظ مدير المدرسة الأستاذ «محمد» هذا الأمر، فكان علاجه حكيم، حيث طلب من والده مغادرة المدرسة، واستدعى «علي» إلى المنبر، وأخبر جميع الطلاب، أن زميلهم سيتلو عليهم بعض الأحاديث النبوية الشريفة، وفعلاً توقف «علي» عن البكاء، وروى الأحاديث عبر «المذياع» لرفاقه، ودخلوا جميعاً إلى صفوفهم.
وقد عبر والد «علي» عن شكره لتصرف المدير الذي كان درساً جميلاً استفاد منه ولده.
«مصطفى» كان يومه الأول مختلف نوعاً ما، فقد تجنب بعض الأطفال اللعب معه، حتى استطاعت المدرسة «ياسمين» أن تؤلف بينهم، وتقربهم من بعضهم، فأصبح رفاقه يساعدونه في دروسه، ويكتبون عنه، تعويضاً عن فقدانه لذراعه اليمنى، وأصبح اليوم مشاركاً مثل رفاقه، مجداً في دروسه.
الأطفال الثلاثة أصبحوا اليوم أشد تعلقاً بمَدرَستهم ومُدَرِّسَتِهم، واستطاعت المرشدة الاجتماعية «حنان» بخبرتها، أن تساعدهم ورفاقهم على تجاوز بعض المشاكل، رغم الضغط الكبير الذي يعاني منه الكادر التدريسي.
معظم أهالي الأطفال مستبشرون بكادر هذه المدرسة، مديرها، كادرها الإداري والتدريسي، تعاونهم، إحساسهم بالمسؤولية، الحرص على الأطفال، والعمل على النهوض بمجتمع سوري راقي.