هل هي عودة الفنيقيون لأرضهم ؟

515267307

زيتون – أحمد فرج 

مع ازدياد حدة القصف في سوريا عام 2013 بلغت ذروة موجات اللجوء الى أوربا لاسيما بعد فتح طرقات التهريب الغير شرعي من دول مصر وليبيا وتركيا واليونان، كما شكل فتح باب اللجوء من دول أوربا دافعاً إضافياً للسوريين للهجرة إليها، وحاول اللاجئون الوصول الى الدول التي تقدم خدمات أفضل وأسرع فيما يتعلق بأوراق الإقامة واللجوء كألمانيا والسويد.

أحفاد الفينيقيين الذين خاضوا البحر على خطى أجدادهم لكن بفارق في الحالة يتجاوز فارق الزمن وبصورةٍ معكوسةٍ تماماً، تشردوا على حدود الدول الغربية وتمرغوا في حياة الكامبات وانتظار الأوراق الرسمية وصراع البصمة في الدول الشرقية، بدأت أولى طلائعهم تعود الى أرضهم تاركين خلفهم حلمهم المكسور ومؤثرين أرض أبائهم بموتها وخوفها على رفاه الغربة وذلها.

محمد ابن الأربعين عاماً، خرج مع عائلته من الريف الادلبي بعد سنتين من عمر الثورة، حين اشتدت وتيرة القصف الى الجزائر، لينطلق من هناك برحلة شاقة الى اسبانية، ومن ثم الى الدانمرك، بينما رحلت عائلته الى تركيا بانتظار أوراق لم الشمل، لكن محمد بعد أن حصل على الإقامة بعد عام فضل العودة الى بلدته في الريف الادلبي، متخلياً عما يموت من أجله السوريين كل يوم، بكثير من الحسرة يحكي محمد ل “زيتون” عن تجربته في الهجرة الى أوربا:

“بعد شهر من وصولي أدركت بأنني ارتكبت خطأ كبيراً، لم أستطع تحمل الوضع، لقد تعودنا نحن السوريون على العيش بكرامتنا، نعمل ونطعم أبنائنا، يصعب علينا أن نعيش على مساعدات الآخرين، لست في عمر يسمح لي بتعلم اللغة وليس لي القدرة على اكتسابها، أهم أسباب عودتي أنني لا أريد أن يعيش أطفالي هناك، فالتقاليد والعادات أصعب من احتملها وأتقبلها لأطفالي، ظللت كل فترة بقائي في أوربا أتساءل لم خرجت من الجزائر”

كما يذكر محمد من منطقة جبل الزاوية في شمال سوريا بأنه لا يرغب بأن تحضر عائلته الى أوربا, و أوضح قائلاً “سأعود أنا إليهم لأربي عائلتي هناك كما تربينا , لا أتخيل أبداً أن تعيش بناتي في واقع منحل كهذا ولا أرفض حتى ذهابهم الى مدارس تقوم بتدريس المناهج بهذه الإباحية والاختلاط المفرط بين الجنسين”

لكن تباين الثقافة والعادات الذي دفع بمحمد الى العودة ليس السبب الوحيد في عودة البعض، فصبحي سليمان وهو متزوج ولديه طفلين مازالا في سوريا بينما هو في هولندا لم يحصل على الإقامة بعد يقول:

“نتعرض لمعاملة سيئة فالسؤال الذي تواجهه دائماً من الهولنديين، هل سترجعون الى سوريا إن هدأت الأوضاع أم ستبقون هنا، أتساءل ما معنى هذا السؤال الأن؟ لقد قدمت طلباً بالعودة ثلاث مرات، كما أبغلت المحامي المتوكل بأوراقي أنني لا أرغب بالبقاء هنا، أريد العودة الى سوريا، وأخبرت المشرف على اللاجئين بذلك لكنهم قالوا أنني لا أستطيع العودة الى سوريا لعدم امتلاكي لجواز سفر، لجأت الى منظمة هيومن رايتس ووتش فأخبروني أنهم يستطيعون ايصالي الى الأردن، لكن لا يستطيعون أخذي الى تركيا، لا يمكنني الذهاب الى الأردن فأنا من الشمال السوري وأنا مطلوب للنظام، الحل الوحيد أن أصل الى تركيا رغم إغلاق الحدود التركية”

ويضيف صبحي: “لقد عشت ستة أشهر في أحد الكامبات في هولندا شعرت فيها أنني في سجن حقيقي، لم يقيد لي أحدٌ حريتي لكنني مقيد بكثير من القوانين، الأن أنا في ورطة حقيقية، إذ لا يمكنني السفر الى تركيا التي تشترط فيزا لدخولها، وليس لدي جواز سفر أصلاً، ومجبر على انتظار الإقامة حتى أحصل على جواز سفر بديل أعود به الى بلدي، هل أصبح السوري لا يملك حق رجوعه الى بلده؟”.

بعد معاناة شديدة على الحدود التركية استطاع “خالد الخالد” الدخول بطريقة غير شرعية الى تركيا منذ ستة أشهر، ليستقر في اسطنبول هو وعائلته المكونة من شابين وطفلتين وزوجته، لقد طرق كل أبواب العمل الممكنة في اسطنبول، لكنه لم يوفق الى عمل، ورغم عمل أبنائه في أحد المعامل، إلا أن دخلهم لم يكن كافياً لمعيشتهم، يقول خالد: “مهما يكن الوضع في سوريا من قصف وموت فهو أرحم لي مما عشته في اسطنبول، لم اتمكن من تأمين عمل يسد معاشنا، وفي مدينة مثل اسطنبول يجب أن يعمل جميع أفراد الأسرة حتى يستطيعون البقاء فيها”

في طريق عودته الى سوريا لم تسمح لهم إدارة معبر باب الهوى من العبور ليقضي يومه مع عائلته في إحدى الحدائق في مدينة أنطاكيا ومن ثم ليتم نقلهم هو وأكثر من مئة سوري الى مبنى الأمنيات في المدينة ليقضوا ليلتهم هناك.

يؤكد خالد لزيتون أن عشرات العائلات تقطعت بهم السبل في أنطاكيا حين منعتهم السلطات التركية من الوصول الى الأراضي السورية وافترشوا على مدى ثلاث أيام الحدائق مع الأطفال والنساء.

أما عبد الرحمن عيد البريك فهو من اللاجئين الذين وصلوا الى هولندا منذ ستة أشهر لم يجدوا له مكانا في الكامبات فأقاموا لهم مخيمات تفتقر الى أساسيات الحياة العادية، وفي اتصال مع زيتون قال أريد أن أعود لم أتوقع أن تكون أوربا بهذا الشكل، لقد غرر بنا حين قيل لنا أن أوربا تضمن حق الإنسان وتحترمه، أشعر بأنني عالة على أهل هولندا وأشعر أحياناً بالعار لوجودي هنا”.

يشتكي رفاق عبد الرحمن من وضعهم أيضاً فيشارك محمد عرموش في الحديث مؤكداً أن 57 يورو أسبوعياً لا يمكن أن تكفي أحد، وخاصة للمدخنين، وان اضطر الى شراء قطعة ثياب فقد يستدين ثمنها، من جهته يحيى الدريعي يقول أنه يرغب بالعمل لكن لا يسمح له إلا بعد أن ينتهي من تعلم اللغة التي قد تحتاج الى عام ونصف لإتقانها، وعليه الالتزام بالمدرسة وأي غياب يخصم من راتبه.

ربما لم تعد أوربا حلم الشعوب المقهورة وحامية الديمقراطيات، ولربما ستشجع الهدنة الحالية في سوريا وتراجع حدة العنف على عودة السوريين الذين باتوا على يقين أن جنتهم الوحيدة هي سوريا.