الانفلات الأمني يعمّ الجنوب السوري ومدنيون: نبتدي منين الحكاية!

palm-in-castle_l

تحرير زيتون 

لا تزال مسألة وجود سلطة بديلة عن سلطة نظام الأسد، في المناطق المحررة من المسائل الإشكالية، ما يتسبب بانفلات أمني في أغلب تلك المناطق، ما أدى إلى تسيب الأوضاع الأمنية في معظمها، ويأتي على رأس تلك المناطق الجنوب السوري، فقد سجلت خلال العام الماضي العدد الأكبر من عمليات الانفلات الأمني على مستوى المناطق المحررة.
وتقول المصادر الميدانية إن عشرات حالات التجاوزات باتت تُسجل على مستوى المناطق المحررة في الجنوب، وتأتي محافظة درعا بمناطقها المحررة على رأس مناطق الجنوب ككل، من حيث مستوى الانفلات الأمني فيها، والذي انعكس على الميدان بما بات يُسجل من عمليات اغتيال واستهداف متكررة، فضلاً عن انتشار جرائم عدة كالسرقة والتشليح والخطف، ومنها تجاوزات من مجموعات مسلحة غير منضبطة من قبيل الإيذاء للمدنيين وكم أفواه النشطاء، دون قدرة الفصائل الرئيسية المسيطرة على لجم تلك الحالات، والتي تشير المصادر إلى أنها في ازدياد، ثم يأتي ريف دمشق بالنسبة للحالات المسجلة ومن ثم القنيطرة.
خالد سلامة، ناشط حقوقي في ريف دمشق، يقول لـ «زيتون» إنه يعمل باسم مستعار خشية استهدافه من قبل الفصائل المعارضة، مؤكداً أنه من المطلوبين لقوات الأسد منذ العام 2011م، إبان انطلاق الاحتجاجات السلمية.
ويضيف: «أن تمارس عملك هنا كناشط ليس أمراً سهلاً أو عادياً، إنه يعني فقدان حياتك في بعض الأحيان، إذا استمريت في قول الحق، وعدم السكوت عن التجاوزات التي تراها بأم عينيك في كثير من الأحيان، كما أن كاميرتك يجب ألا تلتقط سوى المظاهر المألوفة، أما أن تعتقد نفسك تمارس عملك بحرية فعلية فهذا هو الخطأ، نحن مهددين فعلياً، أولاً من قبل النظام والقصف المستمر، وثانياً وهو الأهم من قبل الفصائل التي تسيطر هنا، وكل ذلك أجبرني على العمل باسم مستعار مع أنني أقطن منطقة محررة!».
كما يرى ناجي مسلماني، وهو من درعا، أن غياب الأمن في المناطق المحررة والخشية من البقاء في مناطق تواجد النظام في مدينة درعا، هو ما دفعه وأولاده للنزوح من المحافظة إلى القنيطرة، ويضيف «بالفعل كما تقول الأغنية: نبتدي منين الحكاية! عن أي مظاهر للفوضى ستتحدث وعن أي مظاهر ستحكي؟ وهل الأفضل لك أن تحكي أو أن تصمت؟ بعد أن كانت مناطقنا أكثر مناطق سوريا أماناً، أصبحت مرتع لأمراء الحروب بعد أن عاث فيها نظام الأسد الفساد الكثير».
ويتابع بالقول متحدثاً عن أسباب نزوحه من درعا: «لا يمكن لك أن تبقى تنتظر الموت سواءً بالطريقة التقليدية بالقصف من طيران الأسد ومدفعيته ومعه روسيا، أو بقصف الجيش الحر لأننا كنا نسكن مدينة درعا، حيث يقول: «إننا نقطن مناطق موالية، نتيجة سيطرة النظام عليها، وإذا انتقلت وعشت في منطقة محررة فعليك أن تعيش بصمت، وإلا فقيمتك بأحسن الأحوال قد تكون رصاصة، أو أن يقتلك الجوع وترمى أنت وأولادك على قارعة الطريق».
ويؤكد: «أنا انتظر الطريق للجوء لكي يتم فتحه، حتى لو كان لـ (إسرائيل عدوتنا اللدود)، صدقني لو كان الطريق مفتوحاً لما وجدتني للحظة هنا ولا وجدت الكثيرين غيري، لا المناطق الخاضعة للنظام آمنة لنا كسكان عاديين ولا المناطق المحررة، التي باتت الفوضى العنوان الأبرز فيها».
وسجلت خلال الفترة الأخيرة مجموعة عديدة من الظواهر السلبية على مستوى المناطق المحررة في الجنوب، عكست في مضامينها حالة من التسيب القائمة، على الرغم من وجود عدة تشكيلات مسلحة معارضة هناك، تعد الأكثر تنظيماً على مستوى سوريا، لعل أهمها «الجبهة الجنوبية»، التي تضم أكثر من 60 فصيلاً من الجيش الحر، وتتولى مهام ضبط الأمن والأمان في المناطق المحررة جنوب البلاد، فضلاً عن مهمتها الأساسية في قتال قوات النظام.
مصدر عسكري في «الفيلق الأول» يقول، فضل عدم كشف اسمه، إن «فصائل الجبهة الجنوبية تقوم على خدمة الحالة الأمنية في المناطق المحررة، نحن نعترف بوجود بعض السلبيات، هذا أمر متوقع وطبيعي، ونحن لا نقول أننا غير مقصرين، نحن فصائل ثورية لا زلنا نعاني من إشكالات تنظيمية وإدارية عديدة، فضلاً عن إشكال الدعم وما إلى هنالك».
ويشير المصدر العسكري نفسه إلى أن «نظام الأسد وتنظيم داعش، يحاولان أيضاً بشكل مستمر تعكير صفو الأمان في المناطق المحررة»، مردفاً: «ندرك كفصائل حجم الاختراقات القائمة ونحاول التعامل مع هذا الملف الحساس بكل دقة وحذر، وليست العمليات الجارية في ريف درعا الغربي حالياً ضد خلايا التنظيم، فضلاً عن مرابطة قواتنا على جبهات القتال ضد النظام، إلا دليل على ما قلتله».
الناشطة سلام عزالدين، من ريف درعا الغربي، تقول إن الفصائل التابعة للجيش الحر أو الفصائل الأخرى، غير قادرة على رأب صدع الانفلات الأمني الدائر في المناطق المحررة من المحافظة، وتشير عزالدين إلى أن «الصراع الداخلي العلنية أو الضمنية القائمة بين الفصائل المعارضة ذاتها، أو بين قيادييها، أدت إلى انعكاس الأمر سلباً على حياة الناس في المناطق التي جرى تحريرها».
وتضيف «نحن كمدنيون لم نكن في يوم من المؤيدين لتواجد ميليشيات موالية في مناطقنا، كما لم نؤيد نهج الهدن والمصالحات مع نظام الأسد، لكن أنا أقول إذا استمر وضع الفصائل المعارضة على ما هي عليه من التشرذم وعدم القدرة على السيطرة وفقدان الانضباط الداخلي لديها، كل ذلك يضاف إليه ضعف قبضتها الأمنية في المناطق التي سيطرت عليها، فإن الوضع بكل تأكيد سيكون كارثي، أنت لا يمكنك أن تضع شخص بين مطرقة انفلات أمني وسندان جوع وقصف وتقول له اصبر فنحن في ثورة، فإذا كانت الثورة قامت فعلاً وضحت بما ضحت لأجل أن تتربع ثلة من الأشخاص على عروش الفصائل المسلحة أو المجالس المحلية أو القضائية، أوليس من واجب هؤلاء أن يوفوا الشهداء حقهم، للأسف كل ذلك المحكي عنه غير موجود على مستوى درعا أتحدث على أقل تقدير في مناطقها المحررة».

كما يشدد الناشط الإعلامي أبو مهند الحوراني على أن: «أمن المناطق المحررة في الجنوب السوري على المحك حالياً وهو منذ أشهر على صفيح ساخن بالفعل»، ويتابع: «الفصائل لا تزال تقف موقف المتفرج على ما يحصل، ومحكمة دار العدل بيد فصيل واحد، أما حقوق الناس فهذا أمر متاح للجميع، أنا بالنسبة لي لا أعول على التشكيلات العسكرية بقدر ما أعول على منظمات المجتمع المدني لمحاولة رأب هذا الصدع المزمن قدر الإمكان».

يذكر أن مناطق الجنوب تعد أولى مناطق سوريا التي شهدت عمليات التحرير الأولى من وجود القوات والميليشيات الموالية، كما أنها الأبرز التي شهدت اغتيالات خلال سني الثورة، فضلاً عن محاولات استهداف فاشلة، طالت عدداً من القادة العسكريين والإعلاميين والنشطاء الحقوقيين والإغاثيين، ما أجبر عشرات النشطاء على النزوح منها إلى مناطق أخرى أو اللجوء إلى دول الجوار، ومنها إلى أوروبا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*