سموم مستحدثة تفرزها أبواق العصابة

350

زيتون – بشار فستق

اختفت الأغاني الوطنيّة والقوميّة من الاحتفالات والمناسبات ووسائل الإعلام كالإذاعة والتلفزيون، بعد أن كانت فقرة ثابتة فيها جميعاً، ليحتلّ مكانها نوع جديد من الأغانيّ بكلمات تمجّد شخصيّة (القائد) بالاسم، فتكرّرت أغنية: تسلم للشعب يا حافظ. وتعيش يا حافظ. وأبو الرجال. وصار واجباً على كلّ مطرب ومطربة أن يقدّم أغنية من هذا النوع، كجواز سفر يسمح له بالدخول إلى وسائل الإعلام.
تسابق المتملّقون من ملحّنين ومغنّين إلى تبنّي الكلمات التي تحتوي عبارات مثل: الحركة التصحيحيّة، قائد المسيرة، بطل الجولان. ولم تنتشر هذه الأغاني رغم تكريسها اليوميّ كالنخر في رأس المستمع و المشاهد، وفي كلّ المناسبات، بل، وسعت الأجهزة إلى ابتداع مهرجانات لبثّها، وخاصّة بين الأطفال، فاستندت النشاطات الفنّيّة في منظّمات اختُلقت لمثل هذه الغايات، إلى أعمال غنائيّة دعائيّة تُألّه (القائد) وتجعله فوق البشر.
استطاعت الآلة الإعلاميّة المخابراتيّة تطويع مطربين من خارج سورية، من خلال صفقات مادّيّة مباشرة، أو مقايضات تتمّ بناء على مبدأ السماح والمساعدة في حال قدّم الضيف أغنية (وطنيّة) أي أنّ كلماتها تمتدح الرئيس بالاسم، وتُعرض نماذج منها على القادم، كما حصل مع سميرة بن سعيد، ولطيفة التونسيّة.
بالطبع، لم يقع الجميع في هذا المستنقع، فالسيّدة فيروز والرحابنة، ردّوا بوضوح: لا. رغم أنّ وزير الإعلام ومدير المسارح والموسيقى، أرسلا من ظنّا أنّه لن يُخّذل، فهو صديق الرحابنة، المحامي المثقّف نجاة قصّاب حسن، لكنّ الردّ كان: لا، فنحن نغّني للبلاد والناس والمدن، ولم نخصّ ملكاً أو رئيساً أو مسؤولاً بذاته يوماً، مهما علا شأنه، وقد كانت دمشق (الشام) وما زالت في مقدّمة أعمالنا.
لم يستطع إعلام النظام أن يعاقب فيروز، بمنع أغانيها. الأمر الذي مارسوه بحقّ المغنّية اللبنانيّة ماجدة الرومي، التي رفضت أن تغنّي للأسد، فمُنعت أغانيها من البثّ طويلاً.
في المقابل، رضيت أصوات كبيرة بأن تساهم في المصانعة، وإدخال الكلمات والألقاب والمدائح بتوجيهات وشعارات من (القيادة)، كما في موّال وديع الصافي: ضلّك يا أسد عالوطن حافظ. أو بعض التحوّلات كالتركيز على توريث باسل، ونشر لقب «أبو باسل» عبر العديد من الأغانيّ: أبو باسل قائدنا. للّبنانيّ علي حليحل.
كما ظهرت محاولات لصناعة أعمال موسيقيّة للدعاية العالميّة، ورُصدت ميزانيّة كبيرة جدّاً لذلك، فحشد من أجل عمل موسيقيّ دعائيّ لتنفّذه فرقة برلين للإذاعة والتلفزيون، وسمّاه «صفوان بهلوان» قصيد سمفونيّ وعنونه في محاولة مفضوحة للتملّق بـ «الربّان والعاصفة»، وأُغدقت على «بهلوان» وسمفونيّته الألقاب الفضفاضة، لكنّ العمل بدا قِربة مثقوبة لا يفيد النفخ فيها، ومخجلاً لشدّة مباشريّته وبدائيّته، وزال كما غيره من نمطه، على الرغم من كميّة الضخّ الإعلاميّ الكثيف المرافق له، حتّى أنّ برامج كاملة وسهرات تلفزيونيّة خصّصت له وحوله.
الجعجعة المرافقة لموت الأسد الأب تولّاها وسّوف، فغنّى: رحل البطل القائد.. لا.. لا.. مين يسدّئ (يصدّق) الخبر. ولكنّه استدرك في المقطع التالي: إلّي عليه المعتمد بشّار. وقد واظب وسّوف على التبويق لرأس النظام منذ أن قال: سرْ بنا إلى التحرير يا حافظ، وانتقل إثر مقتل باسل في حادث سيّارة إلى مهمّة النواح ثمّ تظهير بقيّة العائلة، كما في موّال: زين الشباب يا باسل طاير ومرفرف بسمانا…. وحبيبنا القائد بشّار.
هذه المدرسة، أنتجت آخرين أكثر التزاماً على صعيد المفردات واللهجة والسوقيّة الموسيقيّة، ومن أبرز أشكالها علي الديك، الذي وافق الذوق المتدنّي، فنال كامل الدعم الإعلاميّ والماليّ، ليقول في موّال:
بشّار الأسد عطاه الله حكمة، العالم بأسره فيها اعتجب (تعجّب)، أمان أمان أمان
وإسّا (مازال) ماهر مغوار العرب، أمان أمان أمان
حافظ الأسد، يا سوريّا ما نسيتك يوم يا عيني.
تابع الديك طائفيّاً، حين خصّ رأس ميليشيات حزب الله بأغنية: نحنا رجالك نصر الله. ونضج هذا الاتّجاه مع ظهور مطربي الحفلات التشبيحيّة للميليشيات الطائفيّة، وصارت الكلمات على شاكلة: علي ما مات.. أبو الحسنين ما مات.. علي ردّ الشمس بعد الغياب. التي غنّاها المطربون الشبّيحة بحضور شخصيّات رسميّة من عصابات النظام، وذكر بعض من هؤلاء المطربين مؤخّراتهم في أغان أخرى.
عاديّة تبدو كلّ هذه المشاهد، وما وصلت إليه حال الكلمات والموسيقى من انحطاط، إذا ما نظرنا إلى الخطّ البيانيّ الذي ينحدر منذ السبعينيّات، وخاصّة إلى إجرام عصابة النظام حاليّاً، وما ترتكبه من فظائع بحقّ شعب سورية، وبالتأكيد سنشهد المزيد من السقوط لأبواقه الطائفيّة السامّة، وسيلزمنا الكثير لإزالة ما يخلّفونه من تشوّهات جرّاء إفرازاتهم، لنصل إلى الحياة الإنسانيّة المرتجاة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*