في ريف إدلب.. تحضيرات للعيد ممزوجة بألم الغياب

576

زيتون – رزق العبي

تغيرت طقوس التحضير للعيد، في معظم المناطق السورية، تماشياً مع ما تشهده البلاد من عنف جراء استمرار الصراع الدائر من سنوات. ولعل أكثر ما يضفي الحزن على العيد هذا العام، هو كثرة الراحلين. فما من بيت إلا وفيه شهيد، أو معتقل أو مغيبٌ قسري.
ورغم كل هذا، يبدأ السوريون مع اقتراب عيد الفطر السعيد بتجهيز الحاجيات التي يتطلبها العيد، ويشهد التجهيز طقوساً يقوم بها الناس في الأيام التي تسبق العيد.
إذ يعتبر شراء الملابس من الصور التي يعبر من خلالها الناس عن فرحتهم بفطرهم المبارك، وتأتي الملابس على رأس أولويات الأسرة، يليها تجهيز الحلويات، التي يقدموها للمعايدين، حيث يتهادى الأهل والأصحاب حلوى العيد في جو من السعادة بعد شهر الصوم، ويأتي كذلك التحضير للغداء الأول يوم العيد بعد انقطاع شهر كامل عن تناول وجبة الغداء تماشياً مع رمضان.
ولكن مع ارتفاع الأسعار ارتفعت أسعار الملابس بشكل كبير، وأسعار المواد الاولية التي يصنع منها الناس حلوياتهم، وغيرها الكثير من المنغصات التي لا يراها الناس حاجزاً أمام اكمال فرحتهم بالعيد.
أبو أحمد، رب أسرة من ريف إدلب، يقول: كلما اقترب العيد أكثر، أشعر بالقلق أكثر، حيث يبدأ «نق» الصغار فيما يخص ألبسة العيد، فالأطفال أولاً لا يعرفون أن الحال ضيق، وأن الفقر هو سيد الموقف، ومن جهة أخرى لا يعرفون أن الوضع بشكل عام لا يناسب إقامة فرحٍ حتى ولو في يوم العيد، ويضيف أبو أحمد: «مضطر أتدين لأشتري للولاد ألبسة».
كعك العيد!
«قديماً كان في قريتنا فرن كبير تأتي إليه النساء في الأيام الاخيرة لرمضان، لنصنع كعك العيد، وهو طقس يميز مناطقنا في أواخر رمضان، اذ نقوم بصناعته من الطحين، وبعض التوابل»، والكلام للسيدة أم خالد التي التقينا في إحدى حارات كفرنبل وهي تعلم جارتها كيف تصنع الكعك، والتي تضيف: منذ ثلاثة سنوات لم نصنع الكعك من أجل العيد، بسبب الحرب الدائرة، وعنف قوات الأسد الذي شغلنا عن أي طقس، وفي هذا العام ربما ازداد حجم الحزن، وحجم الألم وبالتالي لا يوجد من يصنع الكعك إلا القلائل.
كان أهل الحارة في القديم يتهادون صحون الكعك، مساء كل يوم ليتذوق الجيران ويحكمون على طيبته، تقول أم مهند: «للأمانة كعك جارتي ابتسام أطيب بقليل من الكعك الذي صنعته أنا، قد يعود هذا لنوع التوابل، أو ربما فترة بقاءه في الفرن، تذوقت خمس قطع منه فيه قرشة مميزة لا تجود في الكعك الذي صنعته».
شراء الملابس
بعد الإفطار، وغير آبهاتٍ بالقصف تبدأ السيدات والبنات، والأطفال بالتجول في الأسواق بحثاً عن انسب الثياب التي تناسب العيد، رغم موجات الغلاء الكبير.
تقول إلهام: الأسعار مرتفعة جداً حيث لا يقل سعر بنطال لطفلي والصغير عن 2500 ليرة، وفي نفس الوقت البضاعة ليست جيدة، لكنني مضطرة لشراء ألبسة العيد للأطفال، كون العيد مناسبة سعيدة، ونحن هنا تعبنا من الحرب ولم نعد نعبأ بقصف طيران النظام لنا.
وفي شرح تفصيلي قال علي أحد الباعة: سعر البنطاول العادي للولد 3000 والكنزة 2000 وحزام الخصر /القشاط/ 600 وجربات 250 وحذاء 2500 يكون متوسط طقم عيد اي طفل لا تقل عن 7500 ليرة، إنه رقم كبير قياساً بدخل الناس هنا في الشمال السوري، لكن الاقبال جيد، فالناس مضطرة لتعيش الفرح مهما كلفها الثمن.
أم عمار ليست حالة منفردة، والتي همست لنا سراً أنها استدانت مبلغ 50 ألف لتشتري ثياب ولم تنتهي بعد تقول أم عمار: لي شقيق يقيم في السعودية طلبت منه 50 ألف ليرة لأشتري ألبسة العيد لأولادي، اليوم انتهى المبلغ وبقي عندي ولد وأنا لم نشتري ألبسة العيد، كل شيء غال، لكننا سنعيش فرحة العيد رغم كل القهر.
منغصات العيد!
لا يكاد يخلو عيدٌ في ريف إدلب، على وجه الخصوص، من منغصاتٍ تمنع على أهلها فرحة العيد، والتي يكون أقساها قصفٌ تتلقاه إحدى القرى، والتي كان آخرها، قصف قوات الأسد لصالة ألعاب في بلدة كفروما، غربي معرة النعمان، والتي راح ضحيتها عدد من الأطفال.
وللكثير من الأمهات، أبناءٌ قضوا خلال سنوات الثورة، ومنهم من يقبع في سجون الأسد، دون أي أملٍ في الحرية.
تقول أم أيمن: ابني معتقل منذ أكثر من ثلاث سنوات، اعتقلوه في جامعة حلب، مع 23 طالب طب، بتهمة التواصل مع الثوار، وقبل سنة ونصف تقريباً قتلت قوات الأمن ثلاثة من رفاقة تحت التعذيب، وبقي حالنا يعتريه القلق، والحزن، وكأنني أنتظر خبر استشهاده في كل حين، فعن أي عيد يتحدث الناس، ألمي كبير جداً، أكبر من تسعدني فرحة العيد.
أما سوسن، فترى أن نزوحها من ريف دمشق إلى إدلب، يمنع عليها اتمام الفرحة، حيث تقول: اضطررنا للنزوح بسبب الموقف السياسي، صحيح أن ريف إدلب أنسب للمعيشة، لأنه محرر من الأسد وأزلامه، لكن الحنين للمنشأ الأول شعور لا يوصف، خصوصاً في أيام العيد أو رمضان و المناسبات بشكل عام.
زيارة المقابر طقس العيد يتجدد:
بعد صلاة الفجر، يبدأ الناس بالذهاب الى المقابر، ليزوروا موتاهم، وكأنهم يقولون لمن مات، اننا نعايدك قبل أن نعايد الأحياء، وعلى المقبرة يجتمع المقربون، ويتهادون أغصان الرياحين فيما بينهم بعضهم، ويضعونها على قبور موتاهم، ويسقون القبور ماءاً ويدلكون التراب، يقرأ الناس الفاتحة ثم يعودون للمنازل، لتكون قد بدأت صلاة العيد.
وفي الحارات تبدأ طقوس العيد مع تكبيرات الجوامع، ورائحة القهوة المرة، لتبدأ الشوارع تزدان بضحكات الأطفال وألوان ألبستهم الزاهية. ولكن زيارة المقابر بعد الثورة لها طعم مختلف، فقد طوى الثرى الكثير من الأحبة شهداء في سبيل حرية وكرامة طالما اشتاق إليها السوريون.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*