“تبريد” الجبهات.. مسؤولية من؟

1441474621457822300

زيتون – أسامة العيسى 

على وقع «هدنة» النظام وروسيا المختومة أمريكياً، بل وحتى دولياً، لا زالت المناطق السورية المحررة تعيش حالة من التناقض، ففي الوقت التي تتعرض فيه مناطق بعينها إلى أعنف الضربات الجوية، بذريعة «مكافحة الإرهاب» فيها، تبدو مناطق أخرى بعيدة عن وقع السخونة الدائرة في الأولى، ما أثار عدد كبير من السوريين، والنشطاء منهم تحديدا، متسائلين عن سبب برودة الجبهات القتالية في عدد كبير من مناطق البلاد، واشتعالها في مواضع محددة من شمالها، وفي محافظة حلب تحديداً.
وفي حين أرجع مراقبون الشأن الحاصل إلى مقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، والذي التزمت فيه ضمناً كافة الفصائل الموقع على الاتفاق من خلال انضوائها في غرفة الدعم الدولية المعروفة باسم «غرفة العمليات المشتركة»، أو التي يطل عليها من باب الاختصار اسم «الموك» أو «الموم»، قال مراقبون آخرون وناشطون إن السياسة القتالية الجديدة لتي باتت تتبعها فصائل المعارضة، من خلال ترك مناطق بعينها تتعرض لأشرس الحملات الهجومية ممن قبل النظام وحلفائه، أمر من شأنه أن يؤدي تباعاً إلى خسارة مواقع أكثر من جملة الواقعة في قبضة المعارضة بفصائلها المختلفة إيديولوجياً، بين ما يصنف منها كـ»معتدلة» وأخرى «إسلامية».
تقارير ميدانية أفردت معلومات حول سباق يقوم به النظام، مستغلاً من خلاله ما تسمى «الهدنة»، والتي أوقعت منذ تطبيقها المفترض في عموم البلاد بتاريخ 26 شباط 2016م الماضي وحتى تاريخه ما يزيد عن 4700 شهيد في عموم سوريا، بين مسلحين ومدنيين، بحس الإحصائيات الصادرة عن «مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان»، المتهم بتوثيق أعداد الضحايا اليوميين في سوريا. سباق النظام تمثل خلال فترة الهدنة المذكورة بعمليات إعادة تذخير وإسناد ودعم بالمسلحين وبناء التحصينات في أكثر من 90 موقعاً عسكرياً رئيسياً في أنحاء البلاد، ناهيك عن المواقع الفرعية، كما أنه استقبل أكثر من 2000 مقاتل أجنبي من خارج سوريا، غالبيتهم من إيران ومن ثم لبنان وفي المرتبة الأخيرة العراق، وهؤلاء المقاتلين الأجانب توزعوا إلى جبهات القتال، لا سيما الشمال السوري الذي استقطب العدد الأكبر منهم، حيث تدور فيه أعنف المواجهات مع فصائل المعارضة.
أبو خالد حوراني، الناشط الميداني في درعا يقول، إن «الفصائل التابعة للجيش الحر في درعا لا زالت تقف متفرجة على ما يجري من مذابح في الشمال السوري وفي مواقع أخرى من البلاد»، ويضيف: لا يظن أحد أننا كناشطين أو مواطنين من درعا نرضى بأن نقف مكتوفي الأيدي تجاه إخوان لنا يذبحون يومياً، نحن نتساءل كما كل السوريين، لماذا تقف فصائل درعا وهي بالعشرات موقف المتفرج على ثوار حلب تحديداً وحماة وحمص وريف دمشق وغيرها، أنا أعتقد أن التزامهم بالهدنة هو التزام لا أخلاقي الآن، وهم يدركون ذلك، لكن نحن لا يمكننا فعل شيء إزاء ما يحصل إلا الدعاء لأهلنا، أما هذه الفصائل فكل فصيل سكت عن سفك الدم سيحاسب من السوريين عاجلا أم آجلاً.
وترى رنيم بلان، الناشطة من السويداء أن النظام أصبح أقوى خلال الهدنة، والوضع إذا ما استمر على ما هو عليه حالياً من استمرار المجازر وسريان هدنة خلبية ومئات الفصائل المسلحة في حالة من السبات، فإن الأمور حتما ستتجه نحو الأسوأ، لا سيما على صعيد الحاضنة الشعبية للفصائل المعارضة» بحسب قولها.
وتشير بلان إلى أن النظام استقدم تعزيزات مؤخراً إلى مواقعه العسكرية في الفرقة الخامسة بريف السويداء، كما أنه يقوم يومياً بعمليات نقل جنود وسلاح إلى مواقع متعددة في الجنوب السوري، وتردف: إذا كانت الفصائل المعارضة غير قادرة على توحيد نفسها، فعليها أن تعرف أن السبب في ذلك هو خضوعها للإملاءات الدولية. الأمر عادي أن تنسق تلك الفصائل دولياً، لكن أن تخضع بكل تصرفاتها للخارج هنا الكارثة.
وتؤكد هبا شامي، الناشطة من حمص أن المسؤول عن تبريد الجبهات القتالية برأيي ليس هم النظام ولا الدول الخارجية الداعمة للمعارضة، بل هم الثوار أنفسهم، لأنك لا يمكن أن تصمت على شخص يقتلك ويقول لك أننا في هدنة، وفي الواقع الثوار يفعلون ذلك، وأنا لا أجمع الكل في خانة واحدة، لكن من خلال نظرة سريعة عل خريطة المعارك في سوريا يمكن لأي شخص أن يعرف من يتم قتله حاليا بدم بارد من السوريين، وفي الجانب الآخر من يقف موقف المتفرج.
وتضيف شامي: الإشكالية الأكبر في اتفاق التهدئة ليست في استثناء داعش منها، لأنهم لو قصفوا داعش هذا الأمر لا يعنينا لأن داعش عدونا كما النظام تماماً، لكنهم تقصدوا وضع فصائل أخرى على القائمة على رأسها جبهة النصرة، والسبب بسيط وهو جعل هذا الأمر شماعة لاستهداف الحواضن السكانية من خلاله والمواقع التي تسيطر عليها فصائل الجيش الحر، فضلاً عن صنوف الإجرام الممنهجة الأخرى.
ويدعو ناشطون آخرون من خلال مواقع التواصل إلى «نسف الهدنة» من قبل الفصائل المعارضة، والتوجه إلى إشعال الجبهات كافة مع النظام، لكون الأخير لا يلتزم ببنود التهدئة، فيما يرى آخرون أن الفصائل المعارضة تستطيع على أقل تقدير إشعال جبهات بعينها، قد تكون رئيسية أو ذات تأثير على النظام وحلفائه، دفعاً إلى لجم إجرامهم وإلزامهم بمقتضى الاتفاق، الذي يقول سوريون أنه لم يجلب لهم سوى ويلات جديدة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*