سوريا.. عندما يمنح المال شهادات جامعية ووثائق رسمية

تنزيل

تحرير زيتون

يعاني الكثير من السوريين في المناطق المحررة، من عدم وجود أوراق ثبوتية خاصة بهم، والتي يضطرون لإبرازها بين الحين والآخر، في الكثير من المعاملات، وقد اضطر بعضهم للجوء إلى طرقٍ غير شرعية، في سبيل الحصول عليها، وأم تلك الطرق»تزوير الوثائق والشهادات الرسمية»، حتى بات الأمر شبه علني، فصرنا نجد الإعلانات الصريحة على صفحات برامج التواصل الاجتماعي، حتى وصل ببعض الصحف غير الرسمية الصادرة عن سوريين في تركيا إلى إدراج إعلانات التزوير في صفحاتها، وانتشر الكثير من السماسرة الذين يعرضون على الراغبين، قوائمَ بأسعار الشهادات التي يطلبونها، وقد اشتدت حدة التنافس فيما بينهم لجلب الزبائن، ممّا أثّر على الأسعار التي انخفّضت بشكل كبير بعد أن كانت خيالية في وقت مضى.
وهنا يقول المحامي «مصطفى رحال»: في العرف القانوني يعتبر هذا العمل بمثابة «جريمة تزوير» والتي كانت منتشرة قبل الثورة إلا أنها ازدادت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، لعدم وجود رقابة ومحاسبة، واستغلال المزورين لحرية النشاط، والتسهيلات الممنوحة من قبل الحكومة التركية للسوريين، على وجه الخصوص.
موضحاً أن تزوير الأوراق، وخصوصاً الشهادات، هي جريمة موجودة في كلّ دول العالم تقريباً، ولكن بنسب متفاوتة، ولقد استطاعت كثير من دول العالم الحد من خطرها وانتشارها بتطوير الوثائق الصادرة فيها بإضافة رموز وشعارات معقّدة وغير مطبوعة بطابعات عادية متوفرة للعامة، واستخدام نوعيات خاصة من الورق، يصعب الحصول عليها.
من جانبه قال «محمود الحسن» وهو خبير في التصميم، والطباعة: لا شكّ أنّ التطور التكنولوجي جعل أمر التزوير سهلاً نسبيّاً، فإتقان العمل على برنامج «فوتو شوب» مع طابعة ليزرية ملونة حديثة كفيل بتقليد أية شهادة، وخصوصاً شهادات الجامعات السورية التي لم يلحقها أي تطور تقني وأمني منذ زمن بعيد.
وأوضح أن بطاقات الدعوة لحفلات الزفاف أكثر تقدماً وتعقيداً من شهادات النظام، وهو ما يسهّل تزويرها، بالإضافة إلى فساد كثير من موظفي مؤسسات نظام الأسد، بحيث يبيعون الوثائق الفارغة بدون معلومات فيها، وبعدها يتم طباعة المعلومات، كالاسم و الميلاد والبيانات الأخرى.
لمَ يلجأ المهجّر إلى تزوير الوثائق؟
وكثيراً ما يدفع الشباب السوري لتزوير أوراقه من شهادات ووثائق هامة، نظراً للظروف السيئة التي يصعب تصعّب على البعض جلب أوراقهم من مؤسسات النظام.
يقول «محمد» الذي اختار اسماً مستعاراً: فقدتُ أوراقي الرسميّة وتقطّعت بي السبل بعد قيام الثورة، ولا استطيع تدبير شؤون حياته بدون وثائق تثبت هويتي، في ظلّ عدم استطاعتي الحصول على أوراق رسمية بديلة، فاضطرت للذهاب إلى هؤلاء المزوّرين لأتحصّل على جواز سفر، وهم بالأساس يستغلون ظروفنا فيطلبون منه مبالغ طائلة تزيد مصائب الشخص مصيبة جديدة، إلا وهي التبعات المالية.
وهو أمرٌ يراه البعض خطأ مهما كانت الأسباب، ويجب معاقبة الفاعلين أشدّ عقاب، حيث يرى «خالد» أنأي شخص فاسد وجد في الفوضى التي حصلت بعد الثورة طريقاً سهلاً ليحصل على ما ليس حقّاً له عن طريق تزوير وثائق تعطيه مؤهلات لا يملكها، وتمنحه حقوقاً ليست له، ومثل هذا مجرم قانوني يستحقّ العقوبة.
تربوياً وأخلاقياً، يقول عبد المنعم خطيب، استاذ في علم النفس:بالنسبة لأصحاب الشهادات الثانوية المزوّرة فأول جرائمهم أنّهم يحجزون مقاعد جامعيّة ليسوا مستحقين لها، ويحرمون الطالب الذي تعب وجدّ حتى تحصّل على شهادته بشكل قانوني منها، وعلى أدنى حد يتساوون معه في فرصة المنافسة على المقعد الجامعي، وهذا ظلم كبير يثير سخط الطلاب الملتزمين لقواعد الدراسة، وربّما يكون سبباً في إحباطهم.
ويتابع: أمّا بالنسبة للشهادات الجامعية فالمسألة أخطر بكثير، لأنّ الحاصل على شهادة ثانوية مزوّرة على الغالب لن يستطيع إكمال دراسته الجامعية لأنّه لا يملك مؤهلات ذلك، أمّا التخريب الذي سيمارسه صاحب الشهادة الجامعية المزورة الذي ينتحل صفة الخريج فهو أكبر بكثير، فهو بالإضافة إلى أنّه سيأخذ فرصة غيره في العمل، فإنّه سيفسد في المجال الذي تخصص فيه، لأنّه لن يستطيع القيام بواجب لا يملك مؤهلاته وكفاءاته اللازمة، وهذا سينعكس على نطاق عمله فساداً وتخريباً.
أخلاقياً، تشوه الشهادات المزورة سمعة المؤسسة، سواءً كان لها علاقة بالموضوع أم لا، ولعل تراجع ترتيب جامعة دمشق عالميّاً من (3400) في منتصف عام 2012 إلى (5070) في عام 2014 على التصنيف العالميّ للجامعات، للتزوير دور في ذلك، وهو تقييم يعدّه موقع «ويب ماتريكس» الإسبانيّ.
وقد لجأت معظم دول العالم للحد من ظاهرة تزوير الشهادات والوثائق إلى تطبيق نظام معقّد عبر تقنيات ووسائل حديثة بالتعاون مع جهات متخصصة عالمية لها خبرة في منع التزوير عن طريق «العلامات الذكية» بحيث تضيف رموزاً وشعارات معقدة وغير مطبوعة بطابعات عادية متوفرة للعامة، وتستخدم نوعيات خاصة من الورق يتم من خلالها منع وتلافي أي حالات تزوير مهما كانت الجودة أو دقة التزوير.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*