عن الانقلاب في تركيا

13690757_10105501505665353_2607742251253538037_n

زيتون – أسعد شلاش

جاءت المحاولة الفاشلة للانقلاب في تركيا في ١٥ /٧/٢٠١٦ التي دبرتها طغمة من العسكر للانقلاب على الديمقراطية التركية والعودة بالمجتمع والدولة إلى أزمنة العبودية والتخلف (حال العسكر أينما حلّوا) في مرحلة مفصلية وحساسة من مراحل كفاح شعوب المنطقة بشكل عام قدمت خلاله مئات الآلاف من الشهداء للتخلص من استبداد وطغيان العسكر الذين اغتصبوا السلطة بطرق انقلابية وأسسوا لعبادة الفرد بصناديق انتخابية مزوّرة رزحت بموجبه الشعوب تحت سلطة الفرد الطاغية سنين طويلة، عانت فيها كل أنواع القهر والقمع والفساد والتخلف، ولم تكون الدولة التركية بتاريخها الحديث بعيدة عن حكم العسكر وويلاتهم فهي (المرة الخامسة التي ينقض فيها العسكر على السلطة).

ولعل هذا ما دفع الشعب التركي لأن يخرج إلى الشارع رافضاًً العودة إلى زمن العسكر، متمثلاً المقولة الشهيرة (أسوأ حكومة منتخبة ديمقراطية أفضل من أحسن حكم عسكري).
وكان لخروج الشعب للشارع وإجهاض المحاولة الانقلابية في هذه المرحلة بالذات أثره بالمعنى الرمزي على ما تخوضه شعوب المنطقة من كفاح في سبيل تحررها، فقد شكّل هذا الخروج في وعي شعوب المنطقة رافعة كفاحية لسان حالها أن الشعوب التي عاشت في ظلال الحرية وتنفست هواءها لا يمكن أن تعود إلى الوراء وتتعسكر، وأكد هذا الرفض أن الشعوب قادرة على حماية حريتها والدفاع عنها.
وعلى صعيد آخر وهو الأهم أنها أعادت وعزّزت لشعوب المنطقة ثقتها بإمكانياتها بعد أن اشتغلت سلطات العسكر عبر سنين طويلة من القهر والحرمان الممنهج على تقزيم إرادة الشعوب وطحنتها تحت رحى استبدادها.

ما جرى في تركيا لم يكن انتصاراً لفرد متمثلاً بشخص الرئيس رجب طيب أردوغان كما نظر إليه من عشعش في عقولهم تقديس الفرد على حساب الدولة، ما جرى هو انتصار للديمقراطية في تركيا وأكبر دليل على ذلك أن لا أحد ممن نزل إلى الساحات العامة لإفشال الحركة الانقلابية لم يكن يحمل صورة أردوغان كما هو الحال في دول الشرق المستبدة، وحده العلم التركي كان حاضراً في كل الساحات وجامعاً لكل الأحزاب السياسية حتى المعارِضة لحزب العدالة والتنمية التي ندّدت بمحاولة الانقلاب منذ اللحظات الأولى ووقفت ضدّه مؤكدة بذلك مقولة أن المعارضات الديمقراطية لا يمكن أن تكون معارضات صفرية كما هو حال المعارضات في دول الاستبداد، وإن دل هذا على شيء فهو يدل بما لا يقبل الشكّ أن الشعب التركي وأحزابه السياسية كانوا على مستوى عالٍ من النضج السياسي والديمقراطي، وحدهم عبدة الاستبداد والبسطار العسكري من هلّلوا للانقلابين سواء كانوا من الإسلاميين أو العلمانيين أو القوميين، كل أعداء الشعوب في صف واحد سواء كانوا معارضين أو موالين.

ما جرى في تركيا بالمعني الاستراتيجي هو خدمة لحريات الشعوب في المنطقة كافة وتعزيز ثقتها بنفسها، وهو في الوقت ذاته صفعة لكل الحكومات المستبدة وما سيقدم عليه الرئيس أردوغان من إجراءات بعد فشل المحاولة هو ما يحدد إن كان زمن العسكر قد ولى إلى غير رجعه، أم أنه سوف يعود ولو بطريقة أخرى، فإذا ما أقدم الرئيس على أعمال انتقامية بعيداً عن روح الدستور والقوانين المدنية المعمول بها مندفعاً ومستغلاً نشوته بالنصر واستمرّ ليستكمل ما بدأه قبل المحاولة الانقلابية من النزوع نحو حكم رئاسي متسلّط وقامع للحريات العامة، وهذا ما هو واضح إلى الآن.
ولكن من المبكر الحكم بأن الإجراءات القمعية التي اتخذها الآن هل هي إجراءات احترازية، أم أنها ستستمر للعودة بتركية إلى سلطة العسكر بحجة حماية الديمقراطية؟ ويكون بالتالي الرئيس قد خذل الشعب الذي أفشل انقلاب العسكر، وخيّب أمله وعليه يكون المستقبل مفتوحاً على كل الاحتمالات، وأما إذا ما تمّ احترام الدستور والقانون وكانت الإجراءات التي تمّ اتخاذها عقب محاولات الانقلاب الفاشلة كفرض حالة الطوارئ وغيرها من الإجراءات التي لا تصبّ في خدمة العملية الديمقراطية هي إجراءات احترازية مؤقتة وبعدها يستكمل المسار الديمقراطي المدني فهذا يعني أن حكم العسكر قد ولّى إلى غير رجعة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*