حصان طروادة.. لؤي حسين

4

يُتّهم العاملون بالثورة، والمنشغلون بها، على أنهم مجموعة من المبتدئين،في الشؤون السياسية، والتعامل معها، وادارة شؤونها. انهم أيضاً متهمون بأنهم لا يمتلكون المعرفة الكافية، لإدارة الدفة لشؤون تمس بالثورة،وتخدم أهدافها، ولا يغيب عن قائمة الاتهامات الوقوع في الفوضى الاعلامية، والتعامل مع الحدث، وفق انفلات عارم، وعدم وجود ضابط فيصل يسمح بتوجيه البوصلة بأحداثها باتجاهها الصحيح.
سأتفق مع جلّ الاتهامات السابقة، بنسبية طبعاً، وأزيد القول أن اللاعبين الأساسيين في مؤسسات المعارضة ، القائمين على صياغة وصناعة القرار، تبدو قراراتهم واجتماعاتهم، غير ذات جدوى، بل وغير ذات صلة أحياناً بما يحدث على أرض الواقع، داخل الأراضي السورية، التي تخلصت من سيطرة عصابة النظام. ما أكسب المشهد، الخارجي خصوصاً، استباحة لمواقف عاطفية أو انفعالية، تلهب المزيد من الجراح بالمزيد من الألم والصخب.
صحيح أن المركزية شأن هام في تنظيم الثوار، الذين لايزالون يعيشون في طور الفوضى، في شتى المجالات عموماً، وفي الشأن الاعلامي خصوصاً، لكن هناك صناعة كانت هي غاية من غايات روح الثورة التي حدثت في سوريا، ألا وهي صناعة الرأي العام، حيث استطاع الثوار أن يصنعوا زوابع أجبرت مؤخراً رأس المؤسسة المعارضة في الخارج ممثلة بالإئتلاف، للمطالبة بالاعتذار، ضمن ما بات يعرف باسم حادثة «ازاحة علم الثورة عن المنصة».
فعقب الاعلان عن (فرار) رئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين من سوريا، واتصاله بجهات المعارضة الخارجية لعقد تحالف معها،تم الاعلان عن عقد مؤتمر صحفي لما وصف بأنه امكانية لمد تمثيل المعارضة أمام المجتمع الدولي، وحدث لغط كبير في حادثة طلب لؤي حسين استبعاد العلم، وامتثال خالد خوجة رئيس الائتلاف لهذا المطلب. جدير بالذكر أن العلم الأخضر الذي ارتضاه الثوار تمييزاً لهم، عن العصابة الحاكمة للسلطة في سوريا، هو العلم الذي بات يرمز لتضحيات الثوار وألمهم.
كان توضيح لؤي حسين على صفحته الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أنه كان يود ما يلي « رأيتُ أن نستفيد من الفرصة وأن نظهر بحركةٍ رمزيةٍ تشير إلى وحدة السوريين من خلال وضع العلمين الأخضر والأحمر متلاصقين مع بعضهما، خاصةً وأني أرى الآن ضرورة خروج المعارضة من العباءة الضيقة كي تكون ضمن مظلةً سوريةً واحدةً وجامعة، بهدف حماية سوريا بكاملها، أرضاً وشعباً، وعزل وتهميش النظام حتى أمام مواليه والصامتين داخل البلاد، فاقترحتُ على السيد خالد خوجة، الذي أشهد له بوطنيته ورجولته، أن نضع العلمين ملتصقين ببعضها كرمز لجميع السوريين بما يقوي الرسالة التي نود إيصالها، أو لا نضع أي علم حتى لا نظهر وكأننا نخاطب فئة واحدةً فقط من السوريين. وعندما وصلنا قاعة المؤتمر لم نكن قد حصلنا على العلم الأحمر لأنه نادرٌ في اسطنبول، لهذا خرج المؤتمر الصحفي بدون أعلام..»
ولكن هذا التبرير الذي يوحي بالعقلانية والرزانة، وهو ما يطلبه أهل العقل والعدالة الانتقالية، كان ليقبل لولا التسريبات التي تم تسجيلها بناء على جلسة خاصة، بين أحد الشباب المشتغلين بالحقل الاعلامي، وبين لؤي حسين وصف فيها نفسه بأنه الثورة بحد ذاتها، وأنه قادر على تحدي الذات الالهية ذاتها، كما تحدى حافظ الأسد! وعند الاشارة للشهداء المستضعفين، الذين سقطوا من طرف الثوار وهم النسبة الغالبة، كما يزعم كاتب هذه الكلمات، خصيصاً من فئة المعتقلين والمدنيين والآمنين الذين تساقطوا بشكل منظم وممنهج بسلاح عصابة الأسد. لقد تمادى لؤي حسين أكثر حين تحدث ونائبته منى غانم مستخفاً بجراح أهليهم وتضحياتهم ليذهبوا اليه ليقوم بمحاسبتهم ربما!! وأهدت هذه الشخصية ال(معارضة) (شرفاً) كبيراً للعصابة الحاكمة أنها ليست بذات مستوى الثوريين الذين وصفوا على أنهم (صيّع)!!!
لقد خرجت هذه الحادثة بالكثير من النتائج لا يمكن معرفة نتائجها على المدى القريب وكان من بينها ما يلي:
1- التشاركية بالعمل المعارض لعصابة الأسد لها دستور محدد، سقفه احترام الشهداء، وقاعدته الأساس اسقاط عصابة الأسد ورموزه وأجهزته الأمنية المجرمة، ولم يعد هناك قدرة لل(ممثل) السياسي الاكتفاء بممارسة عمله دون نيل الرضى ولو في حدوده الدنيا على أساسيات تم الاتفاق عليها.
2- كشفت الواقعة عن النسبية في التمثيل السياسي الذي تمثله تيارات تطالب بالحصول على حصص محددة من العمل السياسي القادم في سوريا، سواء في ما يمثله (ائتلاف المعارضة) وما يليها من تيارات أخرى وحسب ما تمثله على الأرض في الداخل السوري.
3- الضجة الكبيرة التي حدثت أجبرت شخصية (مسؤولة) كرئيس الائتلاف كممثل لقوى المعارضة الخارجية، على الاعتذار بشكل رسمي للراي العام الثوري وكادت تصل به للاستقالة، وهذا حدث جديد على مسرح المعارضة.
4- كشفت الحادثة عن كواليس ما يحدث خلف الستار، الذي تتستر به قوى تدعي المعارضة لعصابة نظام الأسد، وهذا التسريب مجرد تسجيل صغير،للمستفيدين من رداء المعارضة، وهو رداء كبير جداً على قياساتهم القزمة، وقد ينسحب على كبار شخصيات معروفة أخرى، تتصارع للحصول على مكاسب مناصبية جديدة في الحياة السياسية القادمة.
5- ينبغي الحذر من ايلاء التفويضات النهائية للشخوص، والثقة المفرطة بالأشخاص، التي كانت ولا تزال، أحد أهم عوامل التأخير، على مستوى تقديم أي نجاح يذكر لمن ينتسب للثورة.
من جانب آخر كان لتلك العاصفة أثر ربما ايجابي البعد، لمثل لؤي حسين وتياره، حيث أنه حصل على دعاية سمحت لمن يجهل اسمه أو يعرف شيئاً عن تياره للبحث عنه وعن تاريخ هذه الشخصية. وكان هناك شعور عام لدى الفئة التي لم تحسم موقفها مما حدث حتى الآن أنها أشبه ما تكون بهذه الشخصية، وأنها تتقاسم معه بعض التوصيفات التي مارسها بكل عنجهية ووقاحة، على كل من ضحى ودفع أثمان باهظة، كي يحظى أمثال هؤلاء بهالات التقديس لدى من يقدسون الهلامية، والذين لم يخرجوا من عباءة سجانيّهم وقاتلي شعوبهم.
هناك تيار كبير بين الثوار، أوحى أن خروج لؤي حسين وفراره المزعوم، كان بتواطؤ مع عصابة الأسد التي مجدها لؤي حسين، بأن صرماية رأس العصابة فيها، بل وأصغر عنصر مخابرات فيها، تساوي كل أولئك (الصيّع) الذين خرجوا لمقارعتها واسقاطه، لقد نجح لحد كبير أن يكون حصان طروادة وبطلاً أقلوياً سينحاز اليه كثير من طائفته، التي تترنح بعد أن ارتهنتها عصابة الأسد لتكون رأس الحربة في الحرب على السوريين وابادتهم ليكون شخصاً (جامعاً) لهم في المستقبل المنظور.

عبد الكريم أنيس