حول التقسيم

2012-09-22-Design

وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو 1916 تمّ تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ بين فرنسا وبريطانية بالاتفاق مع الدبّ الروسيّ أنذاك وكان التقسيم حينها جغرافياّ صرفاً، أي أنّه لم يتمّ بناء على التوزّع الديموغرافيّ لإثنيّات دينية أو لعرقية.
نتج عن هذا التقسيم كيانات جدّية في حينها حاولت أن تستلهم تجربة المستعمر على الصعيد السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ إلى أن استولى العسكر على السلطة في كلّا من العراق وسورية وساسو البلاد بطريقة استبداديّة وشموليّة اتسمت داخلياً بإشاعة حالة من السلام الزائف، وإن كان الأمر لم يخلو من بعض الإشكاليّات والإرهاصات هنا وهناك والتي كان يتمّ قمعها بالحديد والنار.
أمّا على صعيد العلاقات البينيّة فعلى العموم كانت هذه الدول مختلفة ومتناحرة فيما بينها رغم ادعاء كلّا منها بأنّها حاملة المشروع القوميّ كمثال سورية والعراق إلى أن خرق نظام صدّام حسين هذه الحالة بسابقة احتلال الكويت ليتمّ بعدها الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بصدّام حسين وتشكيل نظام سياسيّ يعتمد على المحاصصة.
وتُرك العراق بعد انسحاب الغزاة مرتعاً للتغلغل الإيرانيّ ومشروعه الطائفيّ القاضي صراحة بتصدير الثورة الخمينيّة تحت عباءة الإسلام الشيعيّ، حيث كان النظام العراقيّ حجرة العثرة الأكبر في طريق هذا المشروع الذي وجد في سورية الموقع الجيوسياسيّ الأهمّ للوصول إلى لبنان وحليفه الأول حزب الله.
ونظراً للطبيعة الطائفيّة للسلطة السوريّة حينها فقد أولت حكومة طهران اهتماماً بالغاً بالوضع السوريّ منذ حكم الدكتاتور الأب، وبدأ التدخّل الإيرانيّ خجولاً وازداد وأصبح جليّاً في عهد الوريث.
إلى أن اندلعت الثورة السوريّة وبإيعاز من حكومة الملالي تدخّل حزب الله لإنقاذ النظام في أيّامه الأخيرة ومع تطوّر مجريات الأحداث على الأرض رمتْ حكومة الملالي بكلّ ثقلها وعملت على تصنيع داعش في أقبية مخابراتها ليتمّ حرف الثورة السوريّة من ثورة شعب طالب بحريّته وكرامته إلى صراع مذهبيّ «سنيّ شيعيّ» وليأخذ بعداً إقليميّاً ودوليّاً.
وأمام الحالة المستعصية على الأرض وعدم قدرة أيّ من الطرفين على الحسم وتقاطع مصالح دوليّة أخرى أهمّها أمن إسرائيل والمشروع النوويّ الإيرانيّ، تمّ طرح مسألة التقسيم من جديد حفاظاً على مصالح دول عالميّة وإقليميّة.
لكنّ الأخطر في طرح موضوع التقسيم الذي يتمّ الحديث عنه الآن هو طرحه على أساس طائفيّ ومذهبيّ وهذا مؤدّاه بمنطق التاريخ حروب مفتوحة واقتتال دائم بين الدول المقسّمة.
وممّا يثير الاستغراب والاستهجان في هكذا طرح خطابه المغالط لحيثيّات الواقع وذلك بتطيفه للأكثرية السنيّة وهذا ما تنفيه وتناقضه المعطيات القائمة على الأرض، فصحيح أن أغلب هذه التشكيلات ترفع راية الخلافة الإسلامية، ولكنّ قراءة وتفسير وتأويل قيام دولة الخلافة الإسلاميّة يختلف اختلافات ليست بالقليلة بين فصيل وآخر فالشيطان كامن في التفاصيل. هذا فيما لو كان رفع هذا الشعار حقّاً وحقيقية، ولم تكن المصالح والنزعات والرؤى الضيقة تكمن في التعدّد لدى هذه الفصائل التي تدّعي وحدة الهدف، ناهيك عن أنّ عدداً ليس بالقليل من السنّة مازال يقف في صفّ سلطة العصابات بعد كلّ هذا القتل، وقسماً آخر وليس بالقليل نزح منذ الأشهر الأولى للثورة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة سلطة الطغاة ومازال يعيش فيها.
بناء على ما تقدّم لا يمكن اعتبار الأكثريّة السنيّة كتلة طائفة واحدة في تعداد الطوائف الأخرى، بل هي أكثريّة دينيّة وانتماؤها الأهمّ انتماء دينيّ وليس بانتماء قوميّ أو عرقيّ.
هذه المقدمات إضافة الى التوزّع الديموغرافيّ للطوائف الأخرى يجعل خطاب التقسيم على اعتبارات طائفيّة أو مذهبيّة ضرب من اللامحتمل على الواقع ولا يعني إلّا إطالة الاقتتال.

تحرير زيتون