150 ألف مواطن في تدمر محاصرون بين قصف النظام وسيطرة داعش

 

XVM1a880d94-ff94-11e4-a526-407458b54e5a

لم تكد تهدأ الحملة العالمية الضخمة لحماية مدينة الآثار في تدمر حتى ذابت الثلوج الصحراوية عن الحكاية الكاملة « العالم كان همه الآثار وليذهب المدنيون إلى الجحيم» هذا ما فهمه السوريون أخيراً عندما بدأت تصل معلومات على قلَّتها عن وجود مدنيين مازالوا في مدينة تدمر يعانون أكثر ما يعانوه من نسيان العالم بالدرجة الأولى وحصار مزدوج فرضته أبابيل النظام و سواد داعش.
الكفة تميل لصالح الآثار
أخيراً وبعد مناشدات دولية ودعوات لحماية التراث العالمي في تدمر ، تمكنت مديرية الآثار في حكومة النظام من نقل مجموعة ضخمة من القطع الأثرية التي تمثل أهم موجودات المدينة الأثرية في تدمر.
لم يتمكنوا من نقل المدينة ، الواقع يفرض معطياته قد تحتاج إلى سنوات لنقلها كلها إلى مكان آخر ، إلا أن وعداً ما نقلته وسائل إعلام على لسان تنظيم الدولة الإسلامية مفاده بأن الآثار لن تمس.
يقول المختص في الآثار عمار الشامي « قبل آلاف السنين كانت زنوبيا حاكمة للإمبراطورية التدمرية وسيدة عالمية من الطراز الأول ، ربما لن يرضى أصحاب العقول المتطرفة أن يكون من صنع مجد تدمر امرأة طالما أنها أكثر ما يمكن أن تفعله هو أمور منزلية بسيطة بالإضافة إلى الإنجاب.»
القلق يغطي العالم بخصوص حضارة تدمر خصوصاً وأن علاقة التنظيم مع الآثار لم تكن طيبة ، يوضح عمار» مازال هنالك شكوك عمَّا حصل في الموصل ، العالم رأى تدمير الآثار بأم عينه ، إلا أنَّ روايات كثيرة تتحدث عن مصلحة ما للتنظيم في بيع الآثار أكثر من تدميرها ، ربما هذا ما فعله.»
حملات حماية الآثار وصلت إلى بيروت حيث أعلنت منها قبل أسبوعين مديرة منظمة اليونسكو ايرينا بوكوفا حملة تحت اسم « متحدون مع التراث» ، الحملة لم تذكر شيئاً عن المدنيين وكأنها لوهلة فضلت الأحجار على البشر وهو ما كان فعلاً.
غطاء داعش لقصف المدنيين
ليس بعيداً عن المدينة الآثرية في تدمر ، تقع المدينة الحديثة ، بسكانها ومنازلها غير الأثرية أو المحنطة ، حضارة إنسانية جديدة لم يكترث لها أحد وإنما تُركوا لمصيرهم في فكي كماشة داعش والنظام.
يقول ناشطو المدينة الباقون « النظام سلم المدينة لداعش دون أي معارك تُذكر وخلال ساعة زمن ، تغيرت كل معطيات السيطرة.»
ثم تبع الناشطون قولهم ببيان شديد اللَّهجة يتهم أيضاً وسائل الإعلام على اختلافها بكونهم شريك في السماح بقتل المدنيين في تدمر.
البيان أكد أمس على أن 15 شخصاً قتلوا في قصف طيران النظام على أحياء تدمر بحجة وجود داعش ، وأكد أيضاً أن داعش أعدمت من جانبها 400 مدني.
يقول الكاتب والصحفي رامي الشريف « ضحك علينا النظام ، أوهمنا بأن المدينة باتت خالية من السكان وأن داعش هي من دخلت المدينة حتى بتنا نعتقد بأن القصف استهدف التنظيم.»
يوضح ناشطو المدينة بأن « 150 ألف شخص مازالوا في المدينة ، محاصرون ، في الوقت الذي خان فيه العالم قضيتهم».
يتابع رامي الشريف حديثه « لم تنقل مديرية الآثار مدنياً واحداً حين كانت تنقل الآثار ، لم تساوي حتى بين المدنيين والأحجار ، واليوم كل الحق مع ناشطي المدينة حين يرفضون الحديث مع من يسألهم عن الآثار.»
المعرفة بعد فوات الأوان غير مجدية
في الوقت الذي تذَّكر فيه العالم للحظة المدنيين في تدمر، بعد أن ثار قبلها لحماية الآثار، كان قد فات الاوان على القاعدة الطبيعية التي تقول بأن « الإنسانية تستوجب الوقوف أولاً إلى جانب الإنسان الحي قبل تراثه».
يقول المحامي محمد اليمني « كلنا شركاء في جريمة تدمر، أخذتنا الموجة العالمية لحماية الآثار ولم نتذكر حتى المدنيين، هؤلاء أرواح، لديهم أطفال وأحلام، كيف يمكننا أن نهتم بالآثار أكثر منهم؟ والحقيقة أن العالم كله اليوم أيضاً شريك.»
لا يبدو أن الكل ممتعض، يلوم نفسه وانجراره وراء الأحجار على حساب الأرواح، فالبعض برَّر بكل صفاقة بأن الغرض بالأساس كان ترك تدمر.
شبكة أخبار هون طرطوس اعتبرت أنها «حكمة القيادة» وأن «خطة دول المقاومة هي رسم خطوط تمدد العصابات وتركها تتمدد باتجاه الدول التي ترعاها وعدم التضحية بالأماكن التي أُصيبت بفيروس الطائفية وأصبح مواطنيها بعد أن عضَّتهم الكلاب المسعورة مسعورين مثلهم.»
ثم أوضحت «يجب أن لا نستهجن أو نتأسف على سيطرة العصابات المرتزقة على مدن كإدلب أو جسر الشغور أو تدمر أو أريحا». في إشارة واضحة بأن النِّية من البداية كانت ترك تدمر تواجه مصيرها كما باقي المناطق.
يختم بالقول مجدداً المختص في الآثار عمار الشامي « حُفظت القطع الأثرية نعم، حمينا ماضينا بكل تأكيد، لكن من سيحمينا من المستقبل حين نُسأل عمَّن مات في تدمر؟.»

حازم حسون