كلمة مدير الدفاع المدني السوري في مجلس الأمن

السادة ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمنبدون عنوان

بداية أشكركم على دعوتكم الكريمة للدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) لحضور هذه الجلسة لنقل رسالة فرق البحث والإنقاذ في سوريا حول معاناة المدنيين السوريين جراء تعرضهم للأسلحة العشوائية وخاصة البراميل المتفجرة.

لست سياسيا ولا دبلوماسيا وإنما أنا مجردعامل بحث وإنقاذ لذا اعذروني لصراحتي فيما أقوله فمأساة شعبي لاتحتمل مواربة في طرحها.

وقد تمكنا حتى الآن من إنقاذ أكثر من ستة عشر ألف إنسان في سوريا من تحت الأنقاض، ولكن للأسف فإن عدد المدنيين السوريين الذين ماتوا بسبب القصف العشوائي أكبر من ذلك بكثير.

لا أستطيع أن أصف لكم حياتنا اليومية ونحن نتعامل مع الأشلاء والدمار الذي تخلفه هذه الأسلحة وخاصة بعد أن أدخل الجيش السوري إليها غاز الكلور السام الذي سبق وصنفه هذا المجلس كسلاح كيماوي وحرم استخدامه!

في كل يوم يموت السوريون بمختلف أنواع الأسلحة ولكن البراميل المتفجرة هي السلاح الأشد فتكا بالمدنيين بسبب طبيعته العشوائية، إنها تدمر كل شيء، المدارس والمخابز والمستشفيات ودور العبادة وحتى المقابر، وبسببها فقد تحول صوت المروحيات في الأجواء السورية إلى مصدر رعب وهلع حقيقي لنا ولجميع المدنيين لأن ذلك الصوت يعني ترقب الموت دون أن يعلم أحد بدقة أين سيسقط البرميل ومن سيقتل!

مع دوي صفارات الإنذار نستعد للانطلاق إلى منطقة سقوط البرميل ونحاول بأدواتنا البسيطة أن نبحث عن العالقين تحت الأنقاض وفي أحيان كثيرة لانجد إلا جثث وأشلاء جيراننا وأصدقائنا وأحيانا أقربائنا

والرعب الذي نواجهه مضاعف مع اعتماد سلاح الجو السوري أسلوب الغارات المزدوجة حيث تعود الطائرة لتقصف نفس المكان بعد دقائق حينما تصل فرق الإنقاذ ويتجمع الناس لإنقاذ من تبقى…. ومع إصرارنا على أداء عملنا الإنساني رغم هذه الظروف الصعبة فقد أصبحت فرقنا ومراكزنا هدفا معتادا ومقصودا لقصف النظام، حيث فقدنا حتى الآن ٩٢ عنصرا من فرق البحث والإنقاذ معظمهم استشهدوا بالهجمات المضاعفة للبراميل بينما كانوا يؤدون واجبهم

في جميع بلدان العالم تحظى فرق البحث والإنقاذ والإسعاف بحصانة من القصف ولكن هذه ليست الحال في سوريا، فقبل بضع ساعات فقط أخبرني زملائي بان سيارتي الإسعاف الوحيدتين في قرية بليون في ريف إدلب قد تدمرتا بفعل غارة جوية وقد اصيب أيضا ستة متطوعين من الدفاع المدني.

الشهر الماضي طلب زميلي رئيس مركز الدفاع المدني في معرة الأرتيق في ريف حلب تمويه سيارات الإسعاف والإطفاء عبر طلائها بلون يخفي هويتها لأن لونها الأصلي بات يجذب مزيدا من القصف المتعمد! هل لكم أن تتخيلوا ذلك!

وهل لكم أن تتخيلوا يوما واحدا نعيشه؟

تخيلوا معي يوم الأول من حزيران، في ذلك اليوم استجبنا لهجمات ب ٤٤ برميلا متفجرا في مختلف أنحاء سوريا في حلب وإدلب ودرعا وحمص وريف دمشق، وسبع صواريخ وهجمة بغاز الكلور. ١٣٦ شخصا قتلوا منهم ١٨ طفلا وفقط ستة ضحايا لم يكونوا مدنيين!

حتى في أعراف الحروب، لايوجد أي مبرر لاستخدام هذا السلاح فحتى الطيار نفسه الذي يلقي البرميل لايعلم بدقة أين سيسقط لأنه سلاح عشوائي تماما، حتى أنه لايمكن استخدامه على جبهات القتال لأنه قد يصيب القوات الحليفة ولذلك يرمى في العمق داخل مناطق المعارضة

هذا السلاح يستهدف بشكل أساسي العقاب الجماعي للمجتمعات التي تخرج عن سيطرة النظام السوري بهدف تحويل حياتهم  إلى جحيم وإيصال رسالة مزيفة للسوريين بأنهم لايمكن أن يعيشوا إلا تحت حكم عائلة الأسد.

وهو طبعا سبب أساسي لنزوح ملايين السوريين لدول الجوار وعائق فعلي أمام بناء سلطات مدنية فعالة على الأرض

ولاشك أن استمرار القتل العشوائي في سوريا باستخدام هذه البراميل وغيرها من الأسلحة الفتاكة وإعاقة بناء إدارات مدنية في المناطق المحررة مع غياب أفق لحل السياسي هو الوقود الأساسي الذي يغذي التطرف ويساعد على انتشاره

حضرات السادة

ماذا تتوقعون من سوري بسيط مثلي أن يطلب من هذا المجلس؟ هل نطلب مزيدا من سيارات الإسعاف التي سيدمرها النظام؟ هل نطلب مزيدا من معدات الحفر لسحب مزيد من الجثث والأشلاء ودفنها؟ أم هل نطلب قرارات إدانة جديدة تضاف إلى القرارات السابقة التي وقعتم أنتم عليها ولازال بعضكم يمد النظام بالدعم السياسي والمادي والعسكري بما في ذلك قطع الغيار لطائراته التي يستخدمها في رمي هذه البراميل وقتل مزيد من السوريين؟

لقد فقدت الشرعية الدولية مصداقيتها أمام السوريين في ظل غياب إرادة سياسية لوقف القتل في سوريا وتحول مجلس الأمن في أعين المعذبين إلى مجلس اللا أمن بسبب عجزه عن احترام قراراته.

إن الشعب السوري الذي يقتل كل يوم يحملكم المسؤولية يا سادة ويطالب باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بوقف القتل فورا في سوريا وبخاصة الاسلحة العشوائية.

إنني كسوري وطني ماكنت لأتخيل نفسي يوما أطالب بتدخل أجنبي في بلادي لا برا ولا جوا، ولكن أرواح الأبرياء من النساء والأطفال الذين نراهم يموتون بين يدينا كل يوم تدفعنا إلى طلب أي تدخل ممكن لوقف آلة القتل الهمجية التي يقودها بشار الأسد بما في ذلك منع الطائرات السورية وخاصة الحوامات من التحليق وإلقاء حممها.

أمام السلطة الأقوى في هذا الكوكب لا يسعني أن أطلب إلا أن تحكموا ضمائركم وتقولوا لي ماذا أنتم فاعلون لوقف هذه البراميل؟

بصراحة شديدة أقول لكم إنني ترددت كثيرا قبل القدوم إلى هنا، وقد سألني العديد من زملائي لماذا أنت ذاهب؟ ماذا تتوقع منهم؟

أتمنى أن أتلقى منكم إجابة احملها معي.

وشكرا

رائد الصالح

مدير الدفاع المدني السوري