من تداعيات الانتخابات التركية الأخيرة

syrian-turkish-elections1

انقسم الرأي العام السوري، كما انقسم الرأي العام التركي والعالمي حول نتائج الانتخابات التركية الأخيرة. فبعد فوز لثلاث دورات متتالية لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، كانت تؤمن له التفرد المطلق بتشكيل الحكومة، مع ما يترتب على ذلك من هامش مريح في رسم السياسات التركية العامة الداخلية والخارجية على السواء، بغض النظر عن تقييمها سلبا أم ايجابا. جاءت النتائج الأخيرة لتحجم من هذه القوة للحزب وللحكومة وللرئيس أردوغان نفسه، ولتفتح المجال أمام عدة سيناريوهات أغلبها يُقلق السوريين، كم يُقلق المواطن التركي، إلى جانب توجس المراقب الإقليمي والدولي. ويأتي السبب في أن الوضع السوري بالعموم واللاجئ السوري في تركيا على وجه الخصوص، هو ضمن معادلة التنافس السياسية بين القوى التركية الأساسية موضوعيا.
وما نراه منذ بعض الوقت في تحركات الرئيس أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية، هو محاولة للخروج من نتائج هذه الانتخابات المخيبة عبر القفز نحو الحدث الخارجي. والوضع السوري هو المرجح لأن يكون الأنسب في هذه المرحلة على الصعيد الاقليمي. لذا يصبح قلق السوري على مستقبله في هذا البلد مشروعا، وتوجد مؤشرات جدية على ذلك.
شاهدنا مع الجميع التحركات التي جرت في الآونة الأخيرة، والتي تخللتها اجتماعات سرية وعلنية لقيادات أمنية وعسكرية وسياسية تركية، رافقتها تعزيزات عسكرية وحشود على الحدود مع سوريا، وتحديدا مقابل جرابلس وتل ابيض السوريتين. كما لم تغب التصريحات النارية المهددة بعدم السماح بقيام دولة كردية. مع تسريبات صحفية «حرييت» مقصودة من الحكومة التركية، بلسان «المصادر الأمنية العسكرية» عن نيتها اجتياز الحدود السورية لإقامة منطقة عازلة من مدينة جرابلس إلى اعزاز الملاصقتين للحدود التركية.
ومعلوم أن تركيا تعتبر الممر الواصل بين عفرين وكوباني/عين العرب خطا أحمرا تركيا، يمس الامن القومي التركي، ممنوع تجاوزه من قبل قوات الحماية الكردية.
جاءت هذه التحركات المترافقة مع هذه التصريحات الحادة كنوع من اختبار رد فعل الشريك الأطلسي، والأمريكي أساسا، حول نية التدخل العسكري في الأراضي السورية لإقامة منطقة عازلة. لكن مع رفض رئيس الأركان التركي التورط في مثل هكذا مغامرة، وحجته أنها لا تستند إلى مواثيق الشرعية الدولية، ناهيكم عن رد الفعل الإيراني، إلى جانب موقف الشريك الأطلسي الذي لم ينظر إلى تلك الحشود بأكثر من رسالة تهديد معنوية للأكراد بعدم السماح بكردستان ثانية، ليبقي الأمر ضمن هذه الحدود لبضعة أيام.
(الملاحظ أن الائتلاف السوري المعارض لم يصدر عنه أي موقف يوضح أبعاد الحشود العسكرية التركية، وأهداف التحرك الأساسية على المهجر واللاجئ السوري داخل سوريا وفي تركيا ذاتها. لاحقا أيّد العمليات العسكرية التركية).
لكن مع تعثر تشكيل الحكومة مع أيا من القوى المنافسة، الذي يرفض بعضها-حزب الشعب الجمهوري- الاتاتوركي العلماني، الاشتراك مع العدالة والتنمية الإسلامي في حكومة ائتلافية واحدة، واشتراطات الآخرين الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية، جعل الرئيس أردوغان يقوم بخطوته الخطرة على جبهتين، اعلان الحرب على تنظيم «داعش» و «ب.ك.ك» علّها تعيد له الرأي العام الداخلي الذي فقده في النتائج الأخيرة.
لكن كما يعلم الجميع، هذه لعبة خطرة يلعبها قياديو حزب العدالة والتنمية وسلاح ذو حدّين. وستشمل عواقبها كل الدور التركي في المنطقة، كما ستؤثر على عملية التنمية الوطنية التي تحققت في عهده، ضمنا السياحة، ناهيكم عن الجانب الأهم في هذه الحركة التي تحمل جانب من المغامرة بالمستقبل السياسي لأردوغان شخصيا، إضافة لمستقبل حزبه، في حال تضرر السلم الأهلي التركي، لا سمح الله.
في رأي المتواضع إن جذر التحرك التركي الأخير يكمن في الفاتورة المستحقة لتسوية القضية الكردية داخليا، بعد فوز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، والذي له علاقة قوية بأوجلان وبحزبه-مما يعني تجرّع كأس سمّ سياسي-؛ وليزيد الأمر سوءا وتتضاعف قوة الضربة على الرأس، أتت انتصارات حزب الاتحاد الديمقراطي (أيضا الوثيق الصلة بحزب العمال الكردستاني التركي، أو الفرع السوري كما يردد البعض) على طول حدوده الجنوبية الشرقية، الذي يحاول خلق منطقة نفوذ في الشمال السوري وعلى طول الحدود مع تركيا. وقد عبر أردوغان صراحة عن رفضه لأي مشروع من هذا القبيل عقب تحرير تل أبيض من قوات «داعش» :
« لن نسمح أبدا بتأسيس دولة في شمال سوريا وجنوب بلادنا، سنواصل كفاحنا بهذا الشأن مهما كان الثمن» .
ومن جانب آخر، ربما يكمن الدافع الأساسي في الاعتقاد بإمكانية استعادة الإمساك بالحكم والتفرد به من جانب حزب أردوغان، فيصبح الضرب على الوتر القومي الداخلي ضد ال ب ك ك «الانفصالي» والتهديد الخارجي (من طموح الأكراد السوريين في انشاء دولة ملاصقة، ومن خطر الإرهاب) عامل شدّ وجذب للجمهور التركي، واحراج للقوى السياسية المنافسة، رغم خطورة هذه السياسة التحريضية على صعيد المجتمع التركي، وعودة شبح الحرب الأهلية وشبح الانقلابات العسكرية، وعدم الاستقرار.
هذا سيناريو مقلق للسوريين المتواجدين على الأراضي التركية، لجهة دخولهم في معادلة التنافس هذه.
ليزيد الطين بلّة، باتت تتنامى أجواء غير مريحة وغير مرحبة بالسوريين في بعض الأوساط التركية، بل وصل الأمر ببعض الأتراك إلى حدّ رفض إقامة اللاجئ السوري في بعض الأماكن السكنية رفضا مطلقا، رغم أن لا قانون يقر بذلك، مع وجود نظرة استعلائية، واستغلالية إلى درجة غير مسبوقة -زيادة الأسعار ثلاث أضعاف وأكثر عن المعدل الوسطي!؟- في مجال السكن والآجارات. ناهيكم عن تعقد الدخول والخروج، واغلاق المعابر والتقييد في حرية الحركة للسوريين من وإلى تركيا الخ.
(طبعا احتمال أن يتم ترحيل قسم من اللاجئين السوريين إلى المنطقة العازلة المزمع انشاؤها يوضع في ميزان القلق -أيا تكن الحجة- وايكال أمر هذه المنطقة إلى قوى إسلامية بعينها، محسوبة على الحكومة التركية الحالية، يزيد من قلق اللاجئ السوري. فتجربة حصار الجوع والركوع لا زالت قائمة وموجعة).
الحرب أُعلنت، وبدأت، لكن كيف ومتى ستنتهي -لم يعد الأمر بيد تركيا وحدها-وأين ستصل تداعياتها بالنسبة للقضية السورية، وبالنسبة للاجئين السوريين، هذا ما يجب الانتظار ومراقبة سير الاحداث حتى نتبين طبيعتها وحدودها وآثارها، ليس على السوريين فحسب، بل على كل المنطقة، التي دخلت مرحلة جديدة بدخول تركيا الحرب.
(مع التأكيد على الدافعين الجوهريين للتحرك: الوضع السياسي الداخلي، وازدياد وزن الأكراد، داخليا وخارجيا؛ يبقى لدي تساؤل، هل يمكن ادراج التحرك التركي هذا، في سياق التداعيات المتوقعة للاتفاق النووي الإيراني الأمريكي، كعمل دفاعي استباقي لتثبيت الدور الإقليمي التركي، في وجه الدور الايراني؟!)..
بصراحة، لا أملك الجواب الآن..

مروان محمد