الأدوات المستعملة سوق يفرض نفسه في ريف إدلب.. فمن أين تأتي؟

20160930_081353-1030x707

زيتون – محمد أبو الجود 

«لم أتوقع يوماً من الأيام أن أبيع أدوات منزلي بعد أن أمضيت عمري، وأنا أجمع بها إلّا أن ظروف الحرب وقساوتها أجبرتني على الهجرة خارج البلاد واضطررتُ إلى ترك منزلي وبيع أثاثه خوفاً من سرقتها أو تدميرها بسبب القصف، والكلام للحاج أبو قدور، الذي ترك بيته في ريف حماة ونزح إلى ريف إدلب.

(غسالات، أفران، صوفا، سجاد…) ميرمية على أرصفة الداكين، إنه مشهد بات من الطبيعي رؤيته، في كل مكان بريف إدلب، إضافة لادوات كهربائية متنوعة، وكؤوس وأباريق وألعاب أطفال، ما سهّل بانتشار عدد كبير من المحلات الخاصة ببيع الأدوات المستعملة.
وتعتبر هجرة آلاف السكان من بلداتهم وبيعهم كل مايملكون من «أثاث منازلهم» لتأمين مستلزمات المعيشة ومصاريف النزوح من أهم أسباب انتشار ظاهرة تجارة الأدوات المستعملة.

يقول محمود أبو محمد، وهو صاحب محل لبيع الأدوات المستعملة في معرة النعمان: مع اشتداد المعارك في المدن المجاورة ونزوح الأهالي من منازلهم هرباً من القصف نشطت تجارة المستعمل بشكل كبير، حيث أن معظم السكان ينزحون ويتركون خلفهم كلّ ممتلكاتهم ومن استطاع منهم حمل أثاث منزله ولم يجد مكان لوضعه فيها أو يخاف عليه من القصف والسرقة فيقوم ببيعه بأسعار منخفضة
ونحن نبتعد في شرائنا عن الأشخاص المشبوهين وأصحاب السوابق.

وأوضح: ينتشر عدد من التجار والسماسرة في المناطق الساخنة، حيث يقومون بشراء أدوات من يريد بيع أثاثه من السكان الراغبين بالهجرة والنزوح ويلجأ غالبية السكان إلى»السماسرة» في بيع أثاثهم للتخلص من عبء نقلها إلى المناطق الآمنة. وغالباً يكون السمسار من نفس المنطقة ويكون معروفاً بالنسبة لنا ويقوم السماسرة بطرح بضاعتهم لنشتري منهم عن طريق المزاد.

في بعض الأحيان ينجح بعض السكان بنقل أثاث منازلهم معهم، وبعض الأشخاص يعرض أثاثه للبيع بنفسه، حسب ما قال خالد المعلم، صاحب محل لبيع وشراء الأثاث، والذي تابع: بعد أن نعاين الأدوات ونتفق على السعر نقوم بتنظيم عقد بحضور شهود اثنين، ونشتري غالباً بطريقة «الطبشة»ونحن غير مجبرين أن نشتري الأدوات بأسعار مرتفعة وبالتالي كساد بضاعتنا في ظلّ ظروف الحرب المستمرة ومن أجل أن نحافظ على الفرق بين قيمة الجديد والمستعمل، ونسبة رِبحنا من القطعة لا يتجاوز الـ 50 بالمئة.
يعتبر انخفاض أسعار المواد من أهم أسباب إقبال الناس على شراء المستعمل، حيث أن البراد الجديد يصل سعره إلى ما يقارب الـ 200/350 دولار، في حين أن المستعمل غالباً ما يكون سعره ما بين 20/45 ألف ليرة سورية، وفقاً لتسعيرة إحدى المحال في جبل الزاوية بالنسبة للمستعمل، وآخر للجديد.
يقول أحد الباعة: طقم «الكنبايات» الجديد أولاً نادر الوجود في الأسواق الجديدة وإن وجد فسعره مرتفع بشكل ملحوظ وأحياناً يصل إلى ما يقارب 350/500 دولار أمريكي، في حين أن سعره في المستعمل ما بين40/90 ألف ليرة سورية، بينما الأبواب الجديدة والشبابيك الألمنيوم مرتفعة بشكل كبير جداً في أسواق الجديد لارتباطها بالدولار أما المستعمل بالإمكان شراء 3 شبابيك مستعملة بسعر واحد جديد.

أم لؤي، نازحة من ريف حماة تقول: بعد أن فقدنا كل ما نملك من منزل وأثاث نتيجة قصف الطيران لمنزلنا نزحنا إلى ريف ادلب بسبب اشتداد المعارك أتينا إلى هذه المنطقة ولا نملك شي سوى بعض المال
قمنا باستئجار منزل هنا وكان علينا إكسائه بشكل بسيط، وبسبب غلاء الأدوات الجديدة الجاهزة وارتفاع أسعارها بشكل جنوني لجأنا إلى الأدوات المنتشرة على أرصفة الطرقات لانخفاض سعرها بشكل كبير عن الجديدة حيث أصبح شراء الجديد خاص بطبقة الأغنياء أما الفقراء فلا سبيل لهم لإكساء منازلهم سوى المستعمل.

المستعمل ليس حكراً على ذوي الدخل المحدود:
يقول أبو خالد صاحب محل لبيع الأدوات المستعملة في جبل الزاوية: إن هذه التجارة رائجة منذ بدء الثورة وغالباً ما تتميز القطع القديمة بالجودة والندرة وذلك بسبب تردي الصناعة الوطنية حالياً لهجرة الكثير من أرباب المهن الحرفية خارج البلاد، فمثلاً مجموعات الخزائن القديمة غالباً ما تكون مصنوعة من الخشب الطبيعي وعلى أيدي حرفيين، أما الآن فمعظمها تصنع من الخشب الصناعي الرقيق.
ويتابع: في البداية الكثير كان يحسّ بالإحرج من الدخول إلى محلاتنا وشراء المستعمل ولكن مع مرور الوقت واحتواء هذه المحلات على أدوات نادرة وجيدة بدأت كافة شرائح المجتمع بالتهافت علينا بمن فيهم ميسوري الحال، وبعض المؤسسات العامة من مشافي وجمعيات وبالتالي لم تعد حكراً على الفقراء.

«محمد شاب من كفرنبل يقول لـ «زيتون»: أقوم بتجهيز منزلي لأنني مقدم على الزواج وأنا بحاجة لأثاث كامل وأسعار الأدوات الجديدة مرتفعة بشكل لا يطاق وجودتها عادية ولا أستطيع شرائها وأنا في مقتبل العمر لا أملك الأموال الكافية، وبعد نصيحة أصدقائي لي بالذهاب إلى سوق المستعمل وهناك وجدت ضآلتي حيث الأنواع المختلفة والجودة العالية بالإضافة للأسعار المناسبة لوضعي المادي بشكل كبير، ووجدت أنواعاً غير موجودة في الأسواق الجديدة.

غير مسروقة على ذمة البائع:
ولم يعد خافياً على أحد، القصص التي يتناقلها الناس فيما بينهم، عن مسروقات تُباع في الأسواق على أنها أدوات مستعملة، والتي نشطت بعدما اضطر الآلاف من الأهالي لترك منازلهم فجأة مما اضطرهم للزوح تاركين خلفهم كل شيء.
تقول أم محمد، وهي لا تشتري أي قطعة مستعملة: كيف لشخص أن يبيع نوافذ منزله أو أبوابه أو قطع الكهرباء، إنها أدوات تُباع بشكل غير شرعي ومعظمها مسروقة من المنازل الخالية وخاصة بعد نزوح أعداد كبيرة من الناس وتركهم لمنازلهم مهجورة مع انتشار وزيادة أعداد اللصوص وقطاع الطرق وأتوقع أنها مسروقة لذلك أنا ضدّ شرائها، وربما البعض يشتريها على ذمة البائع، ولكن بنفس الوقت إنه أمر غير مستحبّ بالنسبة لي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*