يسلّطون عليك النمر والأسد والدبّ وغيرهم

%d8%ae%d8%a7%d8%b2%d9%88%d9%82

زيتون – بشار فستق

في عودة إلى التاريخ لأخذ الدروس والعبر من حوادث متفرّقة ظاهراً ضمّتها دمشق في عصرها الحديث، وتناساها – ربّما – عن عمد الكتّاب والحكومات، ينتقي «سامي مروان مبيّض» المؤرّخ والكاتب، قصصاً (تبدو) متفرّقة من تاريخ سورية المهمل، ويضعها في كتابه «تاريخ دمشق المنسيّ، أربع حكايات 1916- 1936» الذي صدر حديثاً عن «دار الريس».

يُزال الستار عن نصب وسط الساحة فينكشّف لنا خازوق كبير في المشهد الختاميّ لفيلم «الليل» من إخراج محمّد ملص، هي حالة سورية منذ بداية القرن، وربّما لم تقبل الرقابة المخابراتيّة للمؤسّسة العامّة للسينما سيناريو هذا الفيلم الذي كتبه ملص مع المخرج أسامة محمّد، لأسباب أهمّها هذا المشهد، وخاصّة بعد أن أنتجه المخرج عمر أميرلاي.
استمرّت وتيرة الإنتاج السينمائيّ في سورية ومنذ السبعينيّات، على إنتاج فيلم روائيّ واحد في السنة زمناً طويلاً، ونادراً ما تجاوز العدد ذلك، وظلّت معظم الأفلام السوريّة لا تعرض في الصالات المحلّيّة، إلّا ضمن المهرجانات، وكذلك تُرسل إلى الخارج ليحشر أعضاء الوفد في كلماتهم اسم القائد الرمز، وليقال: إنّ هناك سينما في البلد يرعاها سيّد الوطن المفدّى…
أمّا ترك الإنتاج كما كان قبل استلام الأسد للسلطة فهذا أمر محال، وحتّى استيراد الأفلام الأجنبيّة صار بيد المؤسّسة، ولم تفِد محاولات أصحاب صالات العرض في اختراق هذا المنع، ما أدّى إلى انعدام السينما كطقس اجتماعيّ في سورية، وتوجّه الجمهور إلى شاشات التلفزيون، إذ بدأ عهد المسلسلات.
بقي الإنتاج التلفزيونيّ بيد وزارة الإعلام، وبمعنى أدقّ بيد أجهزة المخابرات، توجّه، تمنع، تسمح، إلى أن بدأ البعض يدرك أنّ أرباحاً مادّيةً يمكن أن تجلبها هذه الأعمال، فالقطاع العامّ يخسر في كلّ ما يملك ويُدير بسبب الفساد، أمّا لو أُنتج المسلسل بيد القطاع الخاصّ فهو رابح!
استولى المسؤولون – عبر أبنائهم وأصهارهم – على إنتاج المسلسلات التلفزيونيّة، فقد أسّسوا الشركات ووضعوا الأموال ممّا سرقوه من البلد، وسخّرت مرافق الدولة لخدمتهم.
بل، وحصلوا على حصانة غير عاديّة، فمن ينتقد بعضاً من هذه الشركات أو أعمالها ينبح في وجهه الأُجراء وقد يتعرّض للعضّ؛ لأنّ هذه الشركات ومسلسلاتها يمثّلون فعليّاً البوق الإعلاميّ الرئيسيّ للنظام، باعتبارهم يتلقّون الخطّة الإيديولوجيّة مباشرة من المنبع، ناهيك عن الوارد الماليّ الكبير منها، ليس كربح فقط، إنّما كغسيل أموال أيضاً.
نسي الجمهور السوريّ السينما، إلّا ما صار يشاهده من أفلام أجنبيّة، على قنوات فضائيّة، فلا تسمح المؤسّسة العامّة باستيراد الأفلام إلّا عن طريقها، بالإضافة إلى أنّ الأفلام الحديثة عالميّاً أصبحت تحتاج صالات بميزات جديدة، وإلى أجهزة متطوّرة لعرضها.
اليوم، لا يملك المواطن الباقي داخل سورية، ما يكفي ليعيش، حتّى يفكّر في السينما، إلّا إذا كان من العصابة الحاكمة أو أذنابها، وهؤلاء يزعجهم فنّ السينما الحقيقيّ، فيولّون وجوههم شطر أشباه البشر، يغذّون أرواحهم النجسة من أغاني التشبيح الطائفيّة، وصاروا يشاهدون – بدل الفنّ السينمائيّ – أمثال: سهيل حسن (النمر) وبشّار (الأسد) ووليد المعلّم (الدب)، وهم يطلقون الأكاذيب ويؤلّفون ويخرجون أقذر أفعال الإجرام والعهر في التاريخ.
حقّاً، لقد انكشف المشهد على خازوق، كما في فيلم «الليل» للمبدع محمّد ملص، حيث هيمن الانقلاب العسكريّ على حياة الناس، خاصّة في سورية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*