في مشرحة كلية الطب.. طالبة أمام جثة أخيها

14962803_153831975083024_8282826193224490358_n

اعتاد طلاب السنتين الأولى والثانية في كلية الطب في الجامعات السورية، أن يدرسوا مادة “التشريح” العملية على جثث قديمة مائلة إلى السواد مهترئة نتيجة مرور سنوات على استخدامها، تم حفظها بمادة “الفورمول”.
وتقول “خولة” وهي طالبة في السنة الثانية في كلية الطب بإحدى الجامعات السورية، أحد العاملين في قاعة التشريح قال لنا يومها: “اضحكو بعبكن رح تشوفوا جثث جديدة اليوم”، قبل أن يبتسم ابتسامة جافة ويمضى في طريقه.
وجاء بعدها الدكتور المحاضر في مادة “التشريح” ليهنئنا ويصفنا بالمحظوظين، فاليوم ليس ككل الأيام، اليوم سيكون التطبيق العملي على جثة جديدة، ملفوفة بقماش أبيض، لم تمل إلى السواد بعد، ولم تهترئ أعضاؤها بعد، فلم يمضِ على وضعها بمادة الفورمول زمن طويل.
وسيقوم الدكتور مراجعة شاملة لبعض الأعضاء التي لم تكن واضحة في العينات التشريحية البحثية السابقة، مستعيناً بهذه الجثة التي وصفها بقوله: “اليوم عندنا جثة طازة، ما باس تمها إلا أمها (مثل شامي)، انتو من الطلاب المحظوظين كتير”.
تقول “خولة”: “انتابني شعور بالخوف وكنت أفكر بأن أطلب الإذن بعدم حضور الدرس، لكن الدكتور أجابني ممازحا بأنني سأشرح اليوم أمواتاً، ولكنني بعد سنوات قليلة سأشرح الأحياء أيضا”.
وتتابع: “كنت أظنّ أن خوفي كان نتيجة الشيء الجديد في هذا الدرس، والرهبة من رؤية غير ما اعتدت عليه، والذي أساساً لم يكن بالأمر المريح بالنسبة لي، لكنني مضطرة بسبب دراستي، ولكنني لم أتوقع أن يكون صاحب الجثة ذاته هو سبب مشاعري التي لا أستطيع ترجمتها”.
وتضيف “خولة” قائلةً: “والأصعب هو أنني لم أستطع التعبير أو الصراخ خوفاً على عائلتي، وتظاهرت بالإغماء كي أتمكن من مغادرة قاعة التشريح التي يتمدّد في وسطها أخي”، “نعم إنه أخي، والله العظيم أخي”.
وكانت قوات الأسد على أحد الحواجز الأمنية، قبل ثلاث سنوات، اعتقلت أخو “خولة” الذي يكبرها بسبع سنوات، ووردت عائلتها أنباء حول وجوده في سجن صيدنايا العسكري، ودفعت العائلة مبالغ طائلة أملاً في رؤية ابنها المفقود، ولكن دون جدوى.
ولم يكن ليخطر ببال أحد أن “خولة” ستكون أول من يراه، وفي ذاك المكان بالتحديد، والذي بات “مقبرةً لحلمها بدراسة الطب.. والأخيرة بخزان الفورمول”.
ولم تتوقّع أن أخاها الذي دعمها في دراستها لتصبح طبيبة، سيتحول ليصبح مادةً تدرسّها في قاعة تشريحها، لم تتخيّل أن تقف أمام جثّته تتمعّن في أعضائه، وتقارن في وزنه الذي خسر أكثر من نصفه، ولم تكن لتدرك أنّها تتمتّع بهذه القوة والجبروت والوعي.
ولكن “خولة” لم تمتلك الجرأة بعد، لتواجه والدتها التي تدعو الله فجر كل يوم، بأن يُعيد إليها ابنها سالماً، وأن يكحّل عينها برؤيته.
ربما كانت “خولة” الوحيدة التي امتلكت الجرأة لتبوح بقصتها لأخبار “الآن”، ولكنها بالتأكيد لم تكن الوحيدة التي عاشت هذه المعاناة في ظل إجرام الأسد ومؤيديه وداعميه في الداخل والخارج، و”خولة” هو الاسم المستعار لطالبة الطب التي تفاجأت بأخيها مادة في دراستها، جثةً هامدةً أمامها، وهناك من أمثال “خولة” الكثيرين ممن رأوا جثث أقرب الناس إليهم في أماكن أو أوضاع لم يكونوا ليتخيّلوها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*