مفهوم المواطن الدجاجة، الشهرة ولعنة التفاهة

11138655_1589138271343626_4187948248285472423_n

في موجة التهجير الكبيرة، والتي تعد أكبر كارثة انسانية حتى الآن على مستوى العالم،والتي طالت السوريين المدنيين، لأسباب مباشرة متعلقة بتعمد وقح من قبل المجتمع الدولي،عبر تمكين عصابة الأسد من جعل الأوضاع الأمنية أكثر انفلاتاً وخطورة جراءالسماح لها،بترخيص غير معلن، لكل أنواع الأسلحة التي يمكن أن تخطر ببال أحد، ضد السوريين المدنيين، عندما قرروا أنهم لم يعودوا يقبلون به قيداً يطوق أعناقهم، كما مستقبلهم، خصيصاً المناطق التي خرجت عن سيطرته المباشرة، وكذلك أيضاً في المناطق التي باتت مسرح صراع بينه وبين المعارضة، التي اضطرت للتسليح ضده، للدفاع عن مناطقها واسترجاعها من سيطرته الاجرامية.

وكذلك أيضاً أضحت الثورة السورية،معبراً مرّ عبره بعض الذين كانوا يحلمون بالخروج من الوطن السوري، فاقتنصوا الفرصة، وتمكنوا من تحقيق حلمهم بالخروج من قوقعة السلطة السورية التي كانت تخنق أحلامهم. لقد كان بين هؤلاء المهجّرين الكثير من نتاج النظام الأسدي المجرم في أسوء مخرجاته، سواء ناصروا الثورة أو عارضوها أو كانوا حياديين رماديين فيها، تملكتهم الأنانية وحب الذات، الجشع والاستماتة على اقتناص الفرص، مع سذاجة بالتعاطي مع الشؤون الاجتماعية، وتحميل كل أخطاء التربية الاجتماعية، على كاهل وظهر القسمة والنصيب، وكان الأسوء نتاجاً هم المنقطعون عن مجريات وكيفية تدبير شؤون الحياة التي تجري في عوالم مختلفة التي كانت تبدو وكأنها تجري في كوكب آخر، بل وسبقتنا بمراحل زمنية كبيرة بتنظيم نفسها، وكيفية قراءة معطيات محيطها، وكيف تتعامل معه عبر توظيف أجهزة اعلامها، الذي لم نعرف منه غير وظيفة واحدة، ألا وهي التمجيد للسلطة الحاكمة والقائد الأوحد، للدرجة التي يمكن اختصار رمزية اللقاء بهذه الأجهزة، على اعتباره بوحاً بمدى الولاء، وبأبشع الصور القميئة،وبكلام مكرور وتافه، وغير ذي قيمة، للعصابة الحاكمة في سوريا، وهذا انعكس على المتلقي السلبي أصلاً والذي لا يستطيع سوى التفاعل بخضوع مع هذا الجهاز المؤدلج لصالح ترسيخ المزيد من السفاهة والسذاجة لتكريس مفهوم المواطن الدجاجة، الذي يأكل ويشرب ويبيض حسب الحاجة، ويستفيق حسب اشعال واطفاء النور عليه في المدجنة الكبيرة المسماة الوطن.
في بلاد يعامل فيها الإنسان وكأنه رقم من الأرقام، يتوق البعض، ليكسروا جدران القفص، ليحصلوا على الاهتمام الذي تثيره الشهرة بين الناس، مهما كان ضرر ذلك بالغاً عليهم، من حيث لا يدرون ولا يعلمون، حيث لا يمكن للساذجين أن يتخيلوا مقدار ما يمكن أن تكون عليه الحال حين يصبحون في دائرة الضوء، وأصلاً هم لا يفهمون من دائرة الضوء سوى نيل بعض الشهرة بين الساذجين أمثالهم، ولا يدركون حجم ومقدار الضرر والأذى الذي يمكن أن يتسببوا به حين يتبادل صانعوا القرار عباراتهم الغبية، وكيف تؤثر مثل هذه العبارات بترسيخ صور يدفع الكثير من المختلفين عنا ثمناً غالياً كي يرسخوها نمطاً مركزاً يمكنهم عبرها التنصل من واجباتهم الأخلاقية والانسانية تجاه قضاياهم المشروعة.
نجد المحظور يقع لدى بعض الذين بات لديهم متابعين ويؤثرون في متابعيهم سواء عبر الانسياق وراء الشعبوية ومزاجاتهم المتقلبة عبر تكريس مفاهيم الانتقام أو الرأي الذي يتبع الانفعال وموجات المد الذي يعتمد على أفكار طارئة غير أصيلة في مجتمعاتهم أصلاً. كل ذلك يحدث بناء على لعنة شهوة (الاعجاب) على جدران المواقع الاجتماعية (الفيسبوك) أو (التغريد) والاستزادة من المتابعين على (التويتر). وبذا يتشارك هؤلاء شهوة المنبر أو صاحب السلطة الذي يتوقع دوماً من الطرف المتابع أن ينصت وأن يتابعه بدون تفكير.

لا يمكنني أن أتعاطف مع غباء سيولد موجات من التقصي والتساؤلات ومراجعة الحسابات، خصيصاً على مستوى قناعات، دفع كثيرون لقاءها الثمن غالياً، بل وغالياً جداً، لقاء تبديل واقع جدّ أليم، حيث في دول اللجوء يكون الاستقصاء الاعلامي لأي مواد احصائية، تظهر وكأنها استشراف للواقع و تمحيص للحقائق على شكل دراسات، تتعامل بموجبها شرائح المجتمع مع الوافدين اليها هرباً من اجرام عصابة الأسد أو على كونها جماعات قادمة لنيل استحقاقات اقتصادية لم يكونوا شركاء فيها. وهذا ما حدث تماماً في تقرير أعدته قناة لا تتسم بالحياد ولا بالحرفية كما تدعي، هي قناة البي بي سي، لتكون شريكاً مع غباء المستحدثين بنعمة الشهرة، وليكون اللاجئ الهارب من لظى اجرام الأسد وتعمد اغماض العين عنه، من قبل المجتمع الدولي، مجرد باحث عن تبديل «موبايله التافه كتفاهته مع شريكه» بموبايل ذكي آخر. لا ريب أن فيديو الاعتذار لم يعد ينفع وهذه الحادثة تشبه أيضاً أولئك الذين تحدثوا عن حلمهم المسروق في الثورة السورية وكيف أن مخرجة سافلة، قامت باستخلاص مقتطفات تتناسب مع ايدولوجيتها المناصرة لعصابة الأسد، ومن ثم لتوظفها في محاربة الثورة ومعتنقيها الذين دفعوا أثماناً باهظة كبيرة لقاء اعتناقهم اياها.

عموماً وخصوصاً لدى الساذجين والباحثين عن النشوة السريعة،كالتي يحصدها الفراش الباحث عن الأضواء، يشاهد الكثير من المتراكضين باتجاه حجز مقعد في عالم الأضواء، والذي يسفك في سبيله الكثير من المبادئ، ويسفح في طريقه الكثير من الكرامة والقيم، بل ويؤذي الكثير من الناس، تصبح تلك المتعة المؤقتة من الشهرة جحيماً، يؤرق مضاجع من خاض في غمارها، غير مقدرّ لنتائجها، وبالتالي يضطر أناس آخرون للأسف أن يدفعوا فاتورة باهظة الثمن كان وراءها أمثال أولئك التافهين والتافهات، ويكون النتاج احتراقاً سريعاً ليس ذاتياً، فحسب بل مع أضرار جانبية أكبر للمحيط الذي يعيشون فيه.

عبد الكريم أنيس