تجارة سرمدا، ربح محتكر لتجارها

سيارات-سوق

زيتون – رماح الحوراني 

“معك قرش حقك قرش “كلمات بسيطة نطقتها امرأة عجوز عندما وقفت في السوق عاجزة عن اقتناء أي شيء ولو كان ضروريا، فهي عبارة عامية لكن معناها جوهري لأنه يحدد قيمة الفرد من خلال وضعه المادي، فالإنسان المسيطر اقتصاديا، هو فقط من يستطيع العيش في زحمة تجار يتعاملون بالدولار غير مبالين بالفقر الخانق الذي حل بالشعب السوري بعد تدمير البنى التحتية خلال ثورة الحرية.
فقد برزت بلدة سرمدا كواجهة استثمارية تجذب التجار السوريين، رغم أنها بلدة صغيرة تابعة لناحية الدانا الواقعة في محافظة إدلب، تمتلك موقع استراتيجي مهم فهي صلة وصل بين الحدود السورية التركية، ويبلغ عدد سكانها 25 ألف نسمة.
تحررت هذه البلدة من النظام السوري في آب عام 2012 وتوجهت الأنظار إليها لتصبح نقطة تجارية حيوية بامتياز، ومركز لتجارة البضائع المتنوعة وممر للبضائع الإغاثية والتموينية، بسبب قربها من معبر باب الهوى الحدودي، فبدأت الاستثمارات بأنواعها لتجار سوريين توافدوا إليها من جميع المدن السورية.
عقب التحرير وجد مشروع (الامبيرات) المولدة الكهربائية، “حمزة” أحد تجار المولدات بالبلدة سرمدا تحدث ل “زيتون:”
قد تم إنارة %90من منازل القرية وشوارعها بعد انقطاع كهرباء النظام، وأقساطها موزعة على دفعتين، وجزء من مردودها يصرف للجمعيات الخيرية.
أيضا تجارة السيارات الأوربية ظهرت بشكل ملحوظ وكثيف، فغدت المعارض تشهد ازدحاما كبيرا وحركة شرائية لم تشهدها من قبل، حيث أطلق عليها سكان المنطقة “السوق الحرة”.
“أحمد” تاجر للسيارات يشير أن أسعار السيارات تتراوح ما بين 4000-10000 دولار في أفضل حالاتها، فضلا عن أنها تعمل على الديزل المتوفر أكثر من البنزين وبسعر أقل، لكن هي لا تملك أي شكل قانوني يضمن للزبون حق الملكية، فتظهر السرقة كمشكلة واسعة الانتشار.
في حين انتشرت المواد الغذائية والتموينية بشكل غير اعتيادي عن الماضي فدخلت لأسواقها كونها محررة مواد لم تكن موجودة من قبل وإن وجدت بقلة كالسكر والطحين، وتركزت فيها أكبر تجمعات أسواق الجملة التي توزع على كافة المحافظات السورية بالدولار، فلم تتأثر أبدا عند قطع النظام موادا عديدة عن ريف ادلب فتجارها يستوردون كل شيء حتى الغاز والمحروقات بأسعار عالية تدر على مستثمرها أرباحا هائلة.
ناهيك عن عشرات الصرافات المتناثرة بشوارع البلدة رغم عدم وجودها من قبل بهذا الشكل، فالحاجة إليها شديدة لتصريف العمل الأجنبية خلال عملية الاستيراد.
حضرت في ساحة المستوردات المعدات والقطع الصناعية والمحركات بأنواعها نتيجة لعدم توفرها في أغلب الأحيان بأسواق النظام، “بدر” عامل في مجال الميكانيك يشرح كيفية جلي المحركات وتفتيتها لقطع صغيرة تباع كل منها على حدة، مما توجب حضور عدد كبير لمهندسين وعمال ميكانيك سواء كانوا نازحين أو حاضرين عمدا من مناطق النظام لينالوا رزقهم، والعامليين أغلبهم نازحين من ريف حماة بفعل القصف المستمر من قبل النظام على مناطقهم المحررة.
بالانتقال إلى العقارات وتعهد البناء داخل سرمدا وفي محيطها، فإنها كانت تعود بالفائدة الأكبر للتجار المستثمرين الذين يشيدون عدة أبنية ثم يبيعونها بضعف المبلغ المصروف لبنائها، حتى انهم يشترون كتلة من المحلات التجارية ويأجرونها أو يرهنوها بأجارات شهرية باهظة، ومن هنا توضح طمع البعض في المنطقة عندما استغلوا تدفق النازحين بكثرة لبلدتهم، وطلبوا أجارات ضخمة لعدة شهور لاحقة، “يامن” قاطن بالبلدة منذ ثلاث سنوات يستنكر الاستغلال هذا ويقول أنه لم يعد يحتمل أو يطاق، وكأن الأجارات تؤخذ بالمزايدة فمثلا : مستأجر يدفع شهريا 35 ألف كحد وسطي لبيت مفروش، بحال جاء من يدفع أكثر منه يتم طرده دون النظر أنه من غير مأوى.
يبقى السؤال: هل الانسان هو أثمن مافي الوجود، أم أن المال والاقتصاد أصبح الأهم، وهل أصبحت التجارة عاملا آخر يضاف الى معاناة السوريين.