لا يمكن للأكراد أن يكونوا منقذي سوريا

cde43c9e-802a-406d-9b03-84c8c68db6ba_16x9_600x338

في العاشر من تشرين الأول الماضي، شُكل تحالف من 13 فصيل مقاتل كردي وعربي من شمال شرق سوريا وأطلق عليه اسم “جيش سوريا الديمقراطية” باعتباره “حجر الأساس” للمسعى العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يضم جيش سوريا الديمقراطية الأكراد وهم القوة المهيمنة فيه ومعظم الجماعات المسؤولة عن النكسة الأهم للدولة الإسلامية منذ أكثر من عام المتمثلة بالاستيلاء على “تل أبيض” في شمال شرق سوريا في حزيران الماضي.

 بالسيطرة على تلك المدينة الحدودية حُرِمَتْ الجماعة الجهادية (داعش) من بوابة حيوية في تركيا، واستجلبت بعض من أسوأ أعدائها -مقاتلي القبائل الأكراد والعرب- لتصبح على بعد 50 ميلا من معقلها في الرقة.

وقد اكتسب التحالف الدولي خبرة أكبر أثناء هجوم القوات الكردية العراقية لاستعادة السيطرة على جبل سنجار، وهي منطقة بالقرب من الأراضي السورية حيث يعمل جيش سوريا الديمقراطية. فبينما تتقدم القوات الكردية في سنجار في العراق، تشن قوات جيش سوريا الديمقراطية هجومها بالقرب من المدينة السورية المسماة “الهول”.

 قرار شن هجمات في كل من سوريا والعراق في وقت واحد كان مميزاً، وهو خطوة ذكية من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، حيث يجبر تنظيم الدولة الإسلامية على القتال على جبهتين في وقت واحد. ففي الأسبوع الماضي، تمت استعادة كل من سنجار والهول بالقوة من “داعش”.

لقد أصبح التحالف السوري لا غنى عنه بالنسبة لحرب واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية. في شكله الحالي، وفي كل الأحوال، هذا التحالف مشحون بعدم الثقة وبنقاط ضعف قاتلة. فنقطة قوة الجماعة العظمى في التحالف –بقيادتها الكردية المتسمة بالخبرة والالتزام – مهددة حالياً لتصبح نقطة ضعفها العظمى.

بدأ تركيز الولايات المتحدة على الجبهة السورية الشمالية ضد الدولة الإسلامية نتيجة إدراك قوة الأكراد السوريين القتالية. وفقاً لمسؤول أمريكي بارز شارك في الحملة ضد الدولة الإسلامية، المعركة في كوباني العام الماضي كانت نقطة تحول في التفكير الأميركي في كيفية هزيمة الجماعة الجهادية في سوريا. وقال المسؤول: “إن التزام الأكراد السوريين في محاربة الدولة الإسلامية لا مثيل له؛ ذلك الالتزام الذي استرعى من التحالف الدولي في يناير الاهتمام بهذه الجبهة والعمل بشكل وثيق مع الأكراد لاستعادة السيطرة على تل أبيض”.

ومع ذلك، واجه التحرك مقاومة عنيدة من تركيا، التي تشعر بالقلق من أن أي دور مركزي لوحدات حماية الشعب الكردية سيؤدي لإعطاءها الشرعية دولياً.

تعتبر أنقرة وحدات الحماية الكردية على صلة بحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي حارب لعقود طويلة الدولة التركية. أمضى المسؤولون الأميركيون أسابيع سفر من أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، إلى أنقرة لتبديد توترات ومخاوف أنقرة. بينما ازدادت مخاوف انقرة بعد الاستيلاء على تل أبيض: فعلى نحو متزايد تمثل الشراكة الأميركية مع أكراد سوريا تحولاً استراتيجياً نحو ما رأته الحكومة التركية قوة معادية تحقق باطراد امتداداً على الأرض في شمال سوريا.

في تموز الماضي، بلغت التوترات بين واشنطن وأنقرة درجة عالية، عندما ضغطت تركيا بطلب “منطقة خالية من داعش” ليسيطر عليها حلفاء تركيا في سوريا، والتي شملت بشكل مقصود الأراضي غرب كوباني إلى ضواحي حلب الشمالية وهي المنطقة التي يعتبرها الأكراد كجزء من وطنهم التاريخي في شمال سوريا. تمثل هذه الفكرة محاولة من تركيا لوضع حد لتوسع النفوذ الكردي في الشمال.

ولهذا السبب، توصلت كل من تركيا والولايات المتحدة إلى تفاهم، قبلت به القيادة الكردية السورية، وضمن الاتفاق أن وحدات الحماية الكردية لن تحاول التوسيع غرباً إلى “منطقة أنقرة الخالية من داعش”. وكان وجود جيش سوريا الديمقراطية متمماً لهذا التفاهم الجديد؛ من خلال تكليفه بالانخراط مع كل من القوات الكردية والعربية في محاربة الدولة الإسلامية في المنطقة بمساعدة الولايات المتحدة.

وكان من المتوقع أن يرتكز اهتمام التحالف الكردي المسيطر على تل أبيض على المنطقة الواقعة إلى الشمال من الرقة، والتي تضم بلدات وقرى ذات أغلبية عربية، فلو تم اقتلاع الدولة الإسلامية من هذه القرى والبلدات سيمسك بزمام الأمور المقاتلون العرب. ولكن فضل الأكراد التوسع في المناطق ذات الغالبية الكردية، بدلاً من القتال في المناطق التي سيسيطر عليها المقاتلون العرب بعد تحريرها من داعش. حيث أشارت تقارير للمرة الأولى بأنه بدلاً من القتال في الرقة، فقد تحول اهتمام التحالف الجديد إلى الشرق نحو منطقة الحسكة.

ستساعد المكاسب العسكرية في هذه المنطقة – من الشدادي إلى الهول إلى المالكية – في تأمين معاقل الأكراد على طول الحدود العراقية. فجنوب الحسكة يمكن أن يوفر للأكراد موارد مربحة، بما في ذلك حقول النفط التي يسيطر عليها حالياً تنظيم الدولة الإسلامية. وفي الوقت نفسه، يمكن أيضاً للمكون العربي في جيش سوريا الديمقراطية حل معضلة رئيسية بالنسبة للأكراد، عن طريق تزويدهم بقوة صديقة لإدارة المناطق ذات الأغلبية العربية في المنطقة. ومن شأن ذلك أن يسمح لوحدات الحماية الكردية باستخدام مواردها المحدودة في محاربة الدولة الإسلامية في المنطقة أو نشر مقاتلين في مناطق أخرى من البلاد.

ولكن هناك خطر حقيقي للغاية: إن هذه الاستراتيجية لن تسري كما هو مخطط لها. فلو رغب جيش سوريا الديمقراطية بكسر حالة الجمود في شمال شرق سوريا، يجب معالجة نقطة الضعف الرئيسية في التحالف وهي الضعف النسبي لمقاتلي القبائل العرب بالمقارنة مع حلفائهم الأكراد.

من الشكاوى التي يرددها المقاتلون العرب داخل التحالف مراراً وتكراراً  هي أنهم مسلحون بشكل سيء، بالمقارنة مع نظرائهم الأكراد. ويزعمون أيضاً أنه يتم عمداً إبقاءهم في حالة ضعف من قبل الأكراد السوريين، بحيث سيبقون في تبعية  لوحدات الحماية الكردية، بحيث يقتصر دورهم على حراسة البلدات العربية.

وقال قائد بارز في لواء ثوار الرقة، وهو واحد من فصائل جيش سوريا الديمقراطية، بأن الدعم الأميركي الغير المتكافئ لوحدات الحماية الكردية مكن الأكراد من فرض شروطهم على بقية الفصائل.

المهمة الرئيسية للتحالف الجديد هي حماية مناطقهم فقط لأن الأكراد لا يمكنهم تغطية كل هذه المناطق التي يسيطرون عليها، مقاتلو جيش سوريا الديمقراطية لديهم أسلحة خفيفة فقط، لهذا السبب لا يمكنهم أن يتمتعوا بالقوة، إن الدعم الأمريكي هو ما جعل الأكراد فوق البقية ومكنهم من فرض أهدافهم السياسية.

وقد ظهرت هذه الحقيقة في الشهر الماضي، عندما قال البنتاغون أن الطائرات الأمريكية ألقت بـ 50 طن من الذخيرة إلى قوات الثوار العرب في شمال الرقة. ومع ذلك، فإنه لا يمكن للفصائل العربية على ما يبدو أن تأخذ الذخيرة لنفسها، وفي نهاية المطاف سيستولي الأكراد عليها.

هناك ثلاثة أسباب للدور الثانوي لمقاتلي القبائل العربية يضعف إمكانات التحالف. أولاً، سيقوض الخلل في التوازن بالقدرات العسكرية بين مكونات قوات سوريا الديمقراطية إمكانية قيامها بدور فعال في القضاء على داعش في المناطق ذات الغالبية العربية.

ثانياً، وضع مقاتلي القبائل كشركاء صغار في قوات سوريا الديمقراطية سيضعف معنوياتهم بشكل متزايد – كما حدث في السابق، عندما ترك العديد من الثوار الذين دربتهم الولايات المتحدة ساحة المعركة لأنهم أحسوا أن البرنامج بلا هدف ومرتكز على مكافحة الإرهاب بشكل غير متناسب. ويقول مقاتلو القبائل أن دعم الولايات المتحدة للأكراد يشير إلى أنها أقل التزاماً مع القبائل على المدى الطويل. ويخشون من عدم مؤازرتهم، فيما إذا عادت الدولة الإسلامية إلى المناطق التي سبق أن طُرِدَت منها، كما حصل في العراق على مدى سنوات أو في مدينة دير الزور في العام الماضي، عندما لم تلق النداءات المتكررة من الثوار أثناء هجوم داعش في الحصول على المساعدة اهتمام أحد من المجتمع الدولي.

قال مقاتل من عشيرة شمر في قوات الصناديد التابعة للتحالف العربي-الكردي: “لولا التحالف (الدولي)،  كان داعش وصل إلى القامشلي”، “والحقيقة هي أنه عندما يريد داعش، فإنه يمكن أن يصل إلى أي مكان”.

وأخيراً، هناك مخاوف على نطاق واسع، بأنه كلما سيطر  التحالف الذي يقوده الكرد على مناطق أكثر فستزداد حوادث التطهير العرقي، في الشهر الماضي، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً اتهمت به وحدات الحماية الكردية بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك التهجير القسري للمدنيين العرب وهدم منازلهم. “كلما دخلت وحدات الحماية الكردية منطقة، فهي تهجر سكانها العرب”، وذلك في اشارة إلى البلدات العربية في جنوب الحسكة. “تم تجريف خمسة عشر قرية على الأرض في تل حميس، وتل براك، وجزعة”.

وفي الوقت نفسه، عندما يتعلق الأمر بالمجتمعات العربية المحلية التي تسعى إلى السيطرة، يُنظَر على نطاق واسع للفصائل العربية والقبلية كأذناب لوحدات الحماية الكردية. وقد تعزز هذا الرأي بعد السيطرة على تل أبيض، عندما تم تهميش فصائل الجيش السوري الحر على الرغم من الوعود الأولية بأنه سيشارك في إدارة المدينة، بالإضافة إلى الحوادث المبلغ عنها من قبل منظمة العفو الدولية بخصوص تهجير جماعيقامت به القوات الكردية. كانت تل أبيض فرصة ضائعة لتغيير النظرة حول هذه القوات وتمكينها من تعبئة السكان المحليين وكسب تأييدهم.

وفي الوقت نفسه، هناك جماعات أخرى تدعمها الولايات المتحدة في شرق سوريا، وهناك على الأقل البديل الذي يزيل الخصومات العرقية المتأصلة في جيش سوريا الديمقراطية وهو الجيش السوري الجديد، وهو ميليشيا جديدة تدعمها الولايات المتحدة مخصصة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة الشرقية من دير الزور، ويتكون من المقاتلين الذين طردهم في تنظيم الدولة الإسلاميةوقت سابق من المنطقة.

التحالف الكردي-العربي في جيش سوريا الديمقراطية لا يزال لديه إمكانيات هائلة للقضاء على المكاسب التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية بسيطرته على الأرض السورية رغم أن التنظيم هو أكثر ضعفا بكثير مما هو عليه في العراق. ولكن ينبغي على وحدات الحماية الكردية أن لا توجه عملياتها لتتناسب مع جدول أعمالها الضيق، فإنشاء توازن حقيقي بين القوى التي تشكل التحالف سيعزز قدراته العسكرية ويساعده في تأمين أفضل للمناطق العربية والكردية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية حالياً والتي يمكن للتحالف استعادتها.

ترجمة محمود العبي عن فورن بوليسي الأمريكية

مجلة الغربال