روح السخرية الشعبيّة أفضل طريقة للدفاع والهجوم

 

زيتون – بشّار فستق     

من عادات الشعوب أن تُبدع النكات، وكلّما كانت تلك الشعوب مكبوتة أكثر تطلق نكاتاً أقوى وأكثر من غيرها، فهي تتنفّس هكذا وتبقى حيّة. مواضيعها لا تقف عند حدّ المقدّس، فقد تُدخل الآلهة أو الأنبياء أو الطغاة أو العاهرات كشخصيّات في النكتة وتُجري على لسانها حواراً يُثير المفارقات المضحكة.  التخويف لن يجدي في منع انتشار مثل هذه الحكايات الساخرة، ولا القمع، بل سيرفع الأخير الوتيرة كمّاً ونوعاً، فما أُطلق حول هزيمة الخامس من حزيران 67، لا يمكن أن يحصى، خاصّة حول بيع الجولان من قبل “بطل الجولان”، كما رسمت نكات ما بعد حرب تشرين (التحريريّة) الصورة الحقيقيّة للخسارة وفنّدت ما ادّعاه النظام من “انتصارات” و “بطولات” وصولاً إلى كمّ هائل من النكات حول (جيش أبو شحّاطة) في لبنان، وتشارك الشعبان السوريّ واللبنانيّ في تطويرها!    

 لقد واكب السوريّون جميع الحوادث بنكاتهم، التي تحكي واحدة منها أنّ باسل ابن وشقيق الطاغيتين وقف يوم الحساب  – بعد مقتله بحادث سيّارة – بين يديّ الحقّ وبدأ يعرّف عن نفسه ويعدُّ ألقابه التي لا تنتهي: الرفيق الشبيبي الرائد الركن المهندس المظلّي ال….،  لدرجة أنّ الله تعالى قال له: تعال واجلس مكاني على العرش، فقال باسل: وأين سيجلس أبي القائد الخالد؟؟!!

 كما سخر السوريّون من اختلاق أجهزة المخابرات (المختصّة) لحوادث انتحار، تبريراً لاغتيالات نفّذتها ضدّ شخصيّات انتهى دورها من داخل النظام، ففضحت النكتة برهافة واختزال تلك الحوادث حين تداول السوريّون أنّ عبد الحليم خدّام كان سينتحر أيضاً لكنّهم لم يجدوه في مكتبه!!!

منذ أيّام أثار جواز سفر وجثّة من التعليقات ما يتجاوز اللامعقول، وأصبحت الحياة البشريّة وعدمها موضع تندّر في وسائل التواصل الاجتماعيّ، وغطّى لون الدماء الشاشات والمطبوعات. هذا ليس مستغرباً جدّاً، لكنّ السؤال، لماذا تأخّرت ردّات الفعل هذه لسنوات عمّا يحدث من مجازر في سورية؟ وطُرحت قضايا جرّاء أحداث باريس الأخيرة منها قضيّتان مترابطتان، أولاهما: لماذا سيطر الصمت العالميّ أمام المقتلة الدائرة في سورية لسنوات،  وخاصّة إذا قورنت مع ردّات الفعل الرسميّة والشعبيّة الفوريّة في العالم تجاه تلك الهجمات في باريس؟

والثانية: لماذا كانت السخرية صيغة غالبة على موقف السوريّين من مسألة الجثّة وجواز السفر؟

في البحث عن إجابة للسؤالين معاً، تجد أنّ الصمت انفجر على شكل ساخر ضدّ اللامبالاة العالميّة، وأنّ السخرية كانت فعلاً منعكساً للحفاظ على وجود الإنسان السوريّ، الذي كاد أن يتلاشىى بين إبادة وتهجير، متحوّلاً إلى قصّة  فرعيّة في سياق فيلم سينمائيّ يموت فيه مئات الألوف ولا يسلّط الضوء فيه إلّا على مقتل البطل، لتتمجّد مسيرته في النهاية، ويصبح – مهما فعل سابقاً – مثال النبل والخسارة الإنسانيّتين!. تجاه ذلك لا بدّ من بروز روح السخرية الشعبيّة وفضح الجريمة وكشف القتلة بأسلوب يعتمد على التلميح الكثيف والسريع وذكاء المتلقّي.

يكفي أن يقول أحدهم اليوم عبارة (طويل وأهبل) أو (أبو رقبة الزرافة) حتّى تظهر ابتسامة السخرية على الوجوه، وعندما يُذكر (الجحش بن الجحش) يُعرف أنّ المقصود هو بشّار بن حافظ الأسد.

ربّما لن نجد لحقبة طويلة من الدهر شخصيّة أو عائلة نالت أو ستنال هذا الكمّ من السخرية والشتائم التي نالتها شخصيّة بشّار أو حافظ والعائلة، بمن فيهم الزوجة والأمّ، إلى حدّ أنّ بعض السوريّين يصحو  لاعناً (المجرم أبو نص لسان) ثمّ يلحقها بـ (يلعن روحك يا حافظ وأنيسة على هالخلفة).

كما تخصّص الرسوم الكاريكاتوريّة حيّزاً كبيراً للسخريّة من إجرام النظام وغباء رأسه، وكذلك تتحدّث وسائل إعلام عديدة عن “تفلسفه الأخرق” ويسخر برنامج تلفزيونيّ لبناني منه ومن قائد ميلشيا “حزب الله” بشكل احترافيّ يوميّاً؛ لكنّ معظم الأعمال الفنّية والأدبيّة لم تصل بعد إلى تجسيد روح السخرية الشعبيّة التي بثّها الشعب السوريّ – وما زال – مهاجماً وفاضحاً النظام ورموزه من جهة، ومدافعاً عن حقّه في الحرّيّة والكرامة، وبناء دولته من جهة أخرى.