أطفال سوريون يفترشون الحدائق بدلاً من مقاعد المدارس

day-in-photos6

زيتون – باريزان اليوسف

عندما تغدو مقاعد الحدائق العامة والأرصفة أسرة للبشر، تصبح الأكياس وعلب الكرتون غطاء يدرأ عنهم  البرد، وحين تصيرالحياة أصعب من أن تحتمل، يصبح الموت في عيون أولئك البشر هو الوسيلة الوحيدة للخلاص، فما كان عندهم سابقاً في أوطانهم فقدوه، ولم يبقى لهم سوى حياة التشرد ليحيوا وسطها.

حسن ابن التسع سنوات يجلس هو ورفاقه في أحد باحات الجوامع في اسطنبول، منهم من يبيع المناديل الورقية، ومنهم من يبيع السجائر ليحصلوا قوتهم اليومي، بعدما تهجروا من بلادهم .

يروى حسن قصة خروجه من بلاده بعد استشهاد أخيه الكبير محمد بقذيفة وهو خارجاً من معمل البلوك الذي يملكونه، واصابة أخيه الآخر عزيز بالعمى.

حدث ذلك في شتاء عام 2014 في حلب طريق الباب، تلك القذيفة تسببت بهدم منزله واصابته، لجأ بعدها إلى تركيا للعلاج، لكن ظروفه الصعبة جعلت العلاج مستحيل، وبقي أخيه عزيز ضريراً لا يمكنه الرؤية كما لا يمكنه العمل، فلجأ إلى الشوارع والحدائق ليجعلها مأوى له ومكان رزق ربما، حيث يقوم المارة بإلقاء بعض  النقود له.

لديه منزل يعيش فيه هو وأخيه الضرير وأمه وشقيقاته، إلا أنه نادراً ما يبيت في المنزل، وينام أغلب لياليه مع ورفاقه على مقاعد الحدائق أو في باحات المساجد، فالمنزل الصغير لا يتسع للجميع.

أما محمد صديق حسن فهو من ادلب وعمره عشرة سنوات، فقد أبوه في طلقة قناص أمام منزله الموجود في مدينة ادلب في ربيع 2013، وانتقل بعدها هو وأخوه الأصغر مع والدتهم إلى اسطنبول ليسكن في بيت خرب مثل حال حسن، ويقضي وقته ببيع المناديل الورقية، ويقول أنه في حال لم يجني 50 ليرة في اليوم فأنه لايستطيع أن يعود للمنزل، بل يجب أن يبيت خارجاً عقاباً له.

محمد وحسن هما مثال لألاف الأطفال والمشردين الذين ألقت بهم الحياة أمام واقع تعيس ليعيشا حياة التسول والتشرد.

تختلف درجات التشرد في العالم وحسب ظروف كل بلد، إلا أن القوانين الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة  تحرم تجريم التشرد وتوصي بدلاً من ذلك بقرارات وسياسة تكون ذات فعالية لالحد من هذه الظاهرة ومعالجتها اجتماعيا واقتصاديا.

وحذرت المقررة الخاصة المعنية بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، ماغدالينا سيبولفيدا، في تقرير للجمعية العامة صادر في تشرين الأول/أكتوبر 2011، بأن الدول تعتمد بشكل متزايد على القوانين والأنظمة التي تفرض عقوبات على الأشخاص الذين يعيشون في فقر مزمن وتقوض من تمتعهم بحقوقهم الإنسانية.

وأكدت أن التدابير المتخذة في تجريم التشرد بسبب نمط الحياة المتبعة، مثل النوم والأكل والتبول و ممارسة النظافة الشخصية في الأماكن العامة قد تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان وغير فعالة في معالجة ظاهرة التشرد، على اعتبار أنهم لم يختاروا حياتهم بأيديهم بل فرضت عليهم من المجتمع بسبب ظروف معينة.

وتعود أسباب التشرد حسب رأي علماء وباحثون اجتماعيون وفي دراسة أقامها الدكتور صبري محمد خليل، إلى مجموعة من الظروف التي تتمثل  بانعدام الاستقرار والحروب التي تسببت في تهجير الكثير من العائلات وفقدان الكثيرين لأهلهم ومعيليهم، كذلك فأن التفكك الأسري يجعل الأبناء يلجؤون إلى الشارع في ظل غياب الألفة بين أفراد العائلة، أما الفقر فهو العامل الأكثر أثراً في ارتفاع نسبتهم، وغالباً تجد أن الأطفال يحاولون الهروب من التعليم والدراسة والواجبات المدرسية أو من قضاء وقت كبير في المدرسة لعدم وجود ظروف مناسبة في البيت لذلك.

كثرة عدد أفراد العائلة من أكبر أسباب التشرد وهو ما يجعل رب الأسرة عاجزاً عن تلبية احتياجاتهم  وتوجيههم، أو حتى القدرة على ضبطهم، ما يجعلهم يقعون فريسة للتشرد وقضاء ليالي في الطرقات، وربما مع رفاق وضعتهم الحياة في ظروفٍ سيئة، أدت بهم إلى حالة من الضياع والتشرد، حيث تغيب عنهم المبادئ والقيم الأخلاقية التي من المفترض أن يتربوا عليها.

ومع الأسف لابد لهذا الأمر أن يكون له أثاره السلبية، فمن انتشار ظاهرة التسول والسرقة، وارتفاع نسبة الجريمة بسبب فقدان أدنى درجات الرعاية النفسية والصحية والاجتماعية، وهو ما يشكل خطراً على المجتمع وأمنه.

وفي ضوء الانتشار الكبير لهذه الظاهرة سعى علماء الاجتماع إلى البحث عن سبل للتخلص من هذه الظاهرة أو تقليصها قدر الإمكان، كإنشاء مؤسسات تربوية ومهنية لإعداد وتأهيل المشردين وخاصة الأطفال، ووضع تدابير وإجراءات وقائية للحد من تسرب الطلاب من المدراس واللجوء إلى الشوارع، وكذلك دور الدولة في انتشال الأطفال من الشوارع وتنظيم برامج خاصة بهدف تحويلهم إلى عناصر ايجابية في المجتمع، وتعزيز دور كفالة الأيتام ووضع برامج ضمان اجتماعي كافية لدعم الأسر الفقيرة، هدفها انقاذ الأبناء من التشرد بسبب الظروف المعيشية القاسية.