أطفال سوريا باتوا يكرهون المستقبل

10408159_712940888774904_2872375161141932009_n

عدسة شاب دمشقي

لم يعد بإمكان أحد على هذه الأرض تجاهل صور أطفالنا في الحرب التي قتلتهم منذ قرابة أربع سنوات متواصلة، ولا تكاد نشرات العالم الإخبارية تخلو من خبر يرسم معاناة هؤلاء الأطفال. أطفال حوصروا في مناطق النزاع وشن النظام من جهة وأمراء الحرب في سوريا من جهة ثانية حربهم القذرة ضد طفولتهم.ولم يستطع أهلهم وأحبتهم تجنيبهم تلك المعارك لا بل إن بعضا منهم زجّ أبناءه في الصراع إيمانا منه بأنه يؤدي واجبه “الوطني” أو “الديني”

يغمرك حزن رهيب وأنت تفكر بهؤلاء الأطفال, وجوههم تنضح رعباًوحزناًفي آن واحد وعيونهم تحدق فينا نحن الكبار وكأنها تلعننا إلى الأبد. لم لا وهم يرون جثث أهليهم مقطعة الأوصال بدل أن يلعبوا ويلونوا. وحين يحاولون الخروج للعب في المساحة الضيقة المتاحة يكون همهم الأول هو مراقبة أصوات القذائف وتخمين مكان سقوطها علهم يستطيعون النجاة لمتابعة لعبتهم.

يظهر أطفال سوريا كل يوم على الشاشات ومن خلفهم مشاهد الدمار والقتل وكأنها لقطات سينمائية صورت بعناية في فيلم يتحدث عن دمار العالم، لكن لا شيء يبدو جميلا في تلك المشاهد. حتى ضحكاتهم لم تعد بريئة على الاطلاق بل أصبحت قاسية وساخرة ولا تخلو من مرارة تطفو على وجوهنا نحن جمهور المتفرجين والنقاد.

ولربما تقفز إلى ذهنك على الفور صور لأطفال يحدثونك عن ظروف الحصار وقساوة الجوع الذي يسوقك لأن تأكل لحم قطة، ولربما تتذكر وجه طفل تكحلت عيناه بشيء من بقايا قذيفة حتى صار كأنه مقاتل لون وجهه وموهه استعداداً لقتال الخصم في إحدى المعارك…لكنه سرعان ما ينطق بكلمات قاتلة يرددها برتم حزين وفيها الكثير من الاستجداء وهو يقول: “أنا جوعان”. حينها تعود إلى ذاتك تسألها هل من المعقول أن يموت الناس جوعا في عصرنا هذا وكيف يستطيع مفكري هذا الزمان التحدث عن المدنية والتطور الحضاري.

لكن عبارة قالتها طفلة لربما كانت أقسى ما سمعت من أطفال بلادي المكلومين، قالت أمل التي لم تتجاوز العاشرة: “أنا أكره المستقبل، ولا أريد أن أصبح كبيرة لأن الكبار كلهم أشرار” سلبت أمل كمثل أطفال سوريا جميعا براءة طفولتها وتفاؤلها وحرمت من التعليم واللعب والمنزل وبعض أفراد العائلة. والأخطر من كل ذلك أنه كان عليها ان تكبر وتتحمل كل ما تتعرض له من صدمات كي لا تكون عبئاً آخر على بقية أفراد أسرتها. وحين تتحدث الآن تشعر بأن عيناها لا ترغبان بالنظر إليك مباشرة وإنما تشردان إلى الأفق البعيد وكأنها تهرب من هذا الزمن إلى زمان آخر ربما يكون فيه بعض الحب والأمان اللذان افتقدتهما منذ سنوات و تظهر عليها علامات محاولاتها الحثيثة للابتعاد عن ذكريات مؤلمة.

وفي صورة أخرى يطالعك وجه عز الدين في فيلم وثائقي لقناة بي بي سي وهو يقول:”أنا فقط طفل بالعمر، اثنتا عشرة عام، ولكني في الحقيقة انا مجاهد وأتحمل مسؤوليات الرجال” حينها تشعر بالصدمة كيف استطاعت هذه الحرب اللعينة إقناع الضحايا بالتنازل عن كل حقوقهم واللحاق بركب المقاتلين. تشعر بكثير من التشاؤوم، ولربما كرهت المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الأطفال الناجين من أتون حرب لم تقم على أية قواعد أو قوانين مما درج عليه البشر في حروبهم. لقد تعلم أطفالنا كيف يكرهون وكيف يقتلون. ولم تعد تغريهم ألعاب الأطفال الآخرين في بقية المعمورة لأن ظروفهم تختلف. وأي تفاؤل يستطيع الوصول إلى قلبك وأنت تفكر بطفل عمره عشر سنوات أو أكثر بقليل يقوم بدفن الجثث مع والده وكأنه يساعده في ري المزروعات في الحقل.

وفي أثناء حديثي إلى أحد الأطفال السوريين النازحين إلى تركيا، حدثني عن معارك شهدها واقتحامات نفذتها قوات النظام في قريته. وشعرت أنه يروي ما جرى معه دون أية مشاعر خوف وسأته عن السبب فأجابني على الفور: “أطفال سوريا يولدون شجعان ولا يخافون من شيء، ثم إنهم يتأقلمون مع أي وضع جديد في حياتهم بدون مشاكل” ولكنه ولربما شعر بمبالغته في الحديث فاعترف مباشرة وبكلام لا يخلو من السخرية قائلا: “الحقيقة كان الخوف يملأ قلبي ولكني ربما تعودت على رواية قصتي وتعلمت كيف أخفي خوفي وأبقيه بداخلي”.

لربما كان حري بنا جميعا الوقوف على جريمة قتل طفولة أبنائنا، إنه جيل كامل فقد الأمل والرغبة بالاستمرار في الحياة، وهؤلاء هم مستقبل سوريا كلها. فأية حروب نخوضها في سبيل تدمير مستقبلنا، إن حروبنا كلها خاسرة وكلما استمرت مدة أطول كلما اشتدت حلكة مستقبلنا وازدادت قتامته. لذا لا بد لنا من ترك كرسي الجمهور المتفرج او المحلل السياسي والالتفات إلى كل المجرمين الذين يساهمون في قتل مستقبل أطفالنا. لنحدد عدونا الذي هو بكل تأكيد عدو هؤلاء الأطفال وسارق براءة طفولتهم. لا يمكن لنا وعلى وجه الخصوص السياسيون منا ممن يدعون حرصهم على الوطن والمواطنين، لا يحق لهؤلاء الاستمرار في مهاتراتهم السياسية والقبول بما يمليه عليهم الغير دون أدنى تفكير برأي أي مواطن سوري. أعتقد أنه آن أوان خلع هؤلاء وتعريتهم فلربما كانوا قتلة أكثر من القاتل الذي بيده السلاح، لأنهم وبكل بساطة لا يكترثون لموت أحلام أطفالهم.

مها الخضور