يحيا الرئيس الجديد !

3e1f257e-0f8d-482f-b098-357632b63087

زيتون – وسام باكير

يروي لنا التاريخ القريب لسوريا و تحديداً فيما سمي فترة اﻻنقلابات العسكرية مطلع الخمسينيات ، يروي لنا حكاية عن تاجر دمشقي اعتاد وضع صورة لرئيس بلده في صدر متجره، وما إن سمع هذا التاجر بأول انقلاب للرئيس حسني الزعيم، قام بخلع صورة الرئيس المخلوع و استبدلها بصورة للزعيم، شهور قليلة كانت كافية للإطاحة بالزعيم عبر انقلاب قاده هاشم الأتاسي، فقام التاجر بالإطاحة بصورة الزعيم و علق بدﻻ عنها صورة للرئيس الجديد ، ولم تطل فترة الأتاسي فباغته أديب الشيشكلي بإنقلاب، فقام التاجر كدأبه باستبدال الأتاسي بالرئيس الجديد ﻻعناً اﻻثنين معا، و استمر الحال به هكذا إلى أن بلغ الصبر منتهاه، و خصوصا حين عادت الأسماء القديمة لتداول الحكم بالانقلابات، فرمى كل الرؤساء خارج متجره و استعاض عنهم بعبارة واحدة: يحيا الرئيس الجديد.
قصة تعكس ربما صورة الواقع السياسي المزري الذي عاشته البلاد وقتذاك، لكنها تبرز أيضا خللا في شخصية التاجر ذاته، فحتى بعد كفره بجميع الأسماء وقتها إﻻ أنه أصر على عادته و قام بتعليق شعار يمجد القادم المجهول أيا يكن اسمه و فعله.
أسابيع قليلة و تطوي ثورة الكرامة عامها الخامس، خمس سنوات كانت كفيلة بإثبات أن فعل التاجر الدمشقي لم يكن حدثا فرديا يروى للفكاهة و التندر ، بل كان وعياً جمعياً يحكم الشعوب العربية على امتداد رقعتها وتطاول تاريخها، و يكرس العاطفة دون سواها كوسيلة للتقييم و القرار.
أين التقى فعل التاجر مع ما شهدناه على مدار السنوات الخمس الفائتة ؟
في الجواب سنعود لأواخر العام 2011، تحديدا إلى تشكيل المجلس الوطني كجسم سياسي يمثل الشعب المنتفض، و بعد خمسة أيام فقط على تشكيله ، قامت مظاهرات في عموم البلاد تحت شعار موحد «المجلس الوطني يمثلني».
قد نستغرب من سرعة تبني المنتفضين لهكذا تمثيل، سيما و أنهم ﻻيعرفون أيا من شخصياته و لم يقرؤوا سطرا واحدا من برنامجه الثوري، لكنه تصرف مبرر لشعب لم يحترف الديمقراطية المغيبة منذ عقود، و أنهم فعﻻ بحاجة لخط سياسي يوازي خطهم الثوري و يترجم شعاراتهم اليومية لرؤى ممنهجة تفهمها الدبلوماسية العالمية.
شهر واحد ينقص بضعة أيام، قامت مظاهرات تطالب بإسقاط المجلس الوطني ذاته ، و اصبح بنظرهم جسما غريبا عن الثورة و واجب اسقاط الشرعية كالنظام تماما.
سنة مرت على تشكيل و اسقاط المجلس الوطني «بحكم ثوري» فبرز لنا جسم آخر تشكل أواخر العام 2012 ، الائتﻻف السوري لقوى الثورة والمعارضة.
بعد خمسة أيام أيضا و بالتمام والكمال، عمت المظاهرات أرجاء البﻻد بشعارها الموحد «اﻻئتﻻف السوري يمثلني»
و لم يكن أوفر حظا من سلفه الذي انضوى اصلاً تحت عباءته، حيث عادت المظاهرات لتنزع الشرعية الثورية منه و يجد نفسه هو الأخر جسما معلقا بين رفض شعبي و تخبط داخلي و فرق حساب دولي.
قد نتفق مع القرار الثوري حين قرر طﻻق هذه الكتل السياسية لعدم قدرتها على تشكيل بديل حقيقي عن النظام، لكن الوقوع في الخطأ ذاته عشرات المرات سواءا على صعيد اختيار الممثل السياسي أو العسكري الداخلي او اﻻنقياد وراء أوهام قبول تدويل القضية حينا و رفضها حينا آخر ، هو ما يستحق الوقوف عنده لتبيان مصدر الخلل.
فما الذي وجده الشارع في خطاب اﻻئتلاف المعارض وكان مفقودا لدى المجلس الوطني حتى أعلن طلاق هذا و انتخاب ذاك؟
و مالذي اختلف مثلا في وفد المعارضة المفاوض في «جنيف 3» حتى يحظى يتأييد مختلف عما حصل عليه وفد «جنيف 2» و اقصد كأشخاص وتصريحات و ليس ظروف دولية ؟؟
الخلل كان و ما زال بكل بساطة هو في عبارة «يحيا الرئيس الجديد».
الخلل هو في مبايعة الأفراد والجماعات و الأفكار بناءا على اللاشيء تماما، بناءا على شعارات وهمية تجعلنا نبايع أي جهة تتطوع أو تفرض نفسها لتمثيلنا ثم ﻻ نلبث أن نعلن الفكاك منها، و نعاود انتخاب غيرها دون أن نبحث عن أي فارق بين السابق و اللاحق !
الخلل هو في التعامل مع القضايا بمبدأ اليانصيب، نشتري المجهول و نراهن عليه ثم نقرر هل أصبنا الرهان أم ﻻ.
ﻻ شك بأن الحاجة لواجهة سياسية مثلا هو أمر ضروري و ملح بل و تأخر وجوده جريمة، و الأمر عسكريا و إداريا و اعلاميا كذلك، لكن ما دامت عاطفية اتخاذ القرار و اﻻنسياق وراء المجموع و بدون أدنى تفكر أو دراية و كأننا محكمون في لعبة العملة بين النسر و الكتابة هي الطاغية ، فسيبقى حالنا بين بين، و لن يستقر لنا حال على مقام.