حيطان سراقب.. لسان حال

dimocrasi

زيتون – أسعد شلاش

بارَكَ حائطٌ قهَّرَهُ البعث، يَدَ شابةٍ خطت عليه «لا للبعث» وعَذَرَها على ارتعاشها، فالحائط يدرك أن البعث اعتقال وسجن وموت، استدعت جرذان البعث كل من كان منزله لسوء حظه في ذات الشارع، وكان أضعف الكفر أن يجثو من استدعي على ركبتيه في وضعية مهينة طيلة فترة استجوابه دون أن ينال الكبل الرباعي من ظهره.
حاصر الخوف كل من يعيش في الشارع الأساس في مدينة سراقب وأرغمه على العودة إلى قنه مع انسحاب أول خيوط الشمس، بكى الشارع هُجرة سماره له فترة من الزمن خوفاً من سيارات جرذان الظلام، كان الدرس قاسياً، أذعن الحائط بعدها وصمت الشارع مرغماً على قهر ووجع ماخط عليه من عبارات تمجد القائد وتؤبده وتكاد أن تألهه.
ذات يوم فرح الحائط بما سمعه من هتفات وأهازيج من صغار وكبار ورجال ونساء، وأومأ أن زينوني، خطوا علي من بعض ما تهتفون وأضعف الإيمان امسحوا ما كتب علي رغماً عني من عبارات التمجيد والتأبيد.
امتددت أيد شبابية نهاراً جهاراً لايعتريها هذه المرة أي ارتعاش، شطبت، أزالت ما عاناه الحائط زمن القهر، كتبت، رسمت، لونت بكل الألوان، أشجار خضراء وأطفال يضحكون بعذوبة ويحلمون بغد حر وحيا ة آمنة تحترم طفولتهم وتنتشلهم من زمن البعث وطلائعه، وخطت على الحائط كلمات من طعم آخر، من لون آخر، من فرح مشتهى «صديقان نحن إلى أن ينام القمر»، «الكهنة خدماً للسيف من المعبد الأول حتى آخر الثورات»، «لا مستحيل هنا «، «الثورة تذكرة دخول وليست تذكرة خروج»، «الحب أقدم من الموت»، «عندما تختفي الطائرات تطير الحمامات»، «ارحل ارحل»، «حرية» حررررية.
كلمات تحيي حمص ودرعا وأخرى تضامنت مع دير الزور وأدانت الطغاة وجرائمهم في كل المدن السورية الثائرة، توحد وجع الأحرار السوريين على حيطان سراقب، سحر الحائط وشارعه فرحاً بسماعه تلك التغريدات لأول مرة في تاريخه، سئل في غمرة فرحه لمن تكون هي؟ كان الجواب لشاعر ثائر اسمه درويش وشاعر عاشق لياسمين الشام يدعى نزار وثائر سوري، نعم سوري اسمه باسل من لحمنا ودمنا وحريتنا، هو باسلنا شهيد ثورتنا غير الذي كان اسمه يقلقك ويقلقنا ومن عصابات مافياتهم، وزوراً احتسبوه شهيداً وبكى عليه بعض جهابذة الدين ونافقوا وكذبوا وأقسموا أنه في الجنة، وبعض ما كتب للكثير من شبابنا فقد تحررنا من خوفنا، والحرية إبداع ولن يخط عليك بعد اليوم إلا ما قاله الشعراء والأدباء والفنانون الأحرار، فقد ولى زمن الأبوة والعبودية.
إزدها الحائط واحتفى وأعرست شوارع سراقب والحيطان وغدت كرنفال للثورة، شاهدها وسمعها وأحس بفرحها كل الثوار السوريين وطارت شهرتها إلى كل المدن، وصلت إلى عواصم عربية وأوربية.
اشتم الحائط رائحة كلمات لها معان آخرى تحاول أن تعود بها إلى سيرة الاستبداد الأولى ولو بطريقة مواربة ومريبة، وأدرك أن اليد التي تكتبها لا تختلف نكهتها كثيراً عن اليد التي كانت تكتب في الزمن الأسود، ذلك لأنها كانت تكتب فوق ما كتب دون أي احترام.
وحين محت ماكتب عن الحرية لتكتب نقيضها تحسر الحائط وأيقن بداية عودته لسيرته الأولى، فهو يعلم أن كل من خط فوق خط أفاك مستبد وصرح:
أنا الحائط أتسع لكل آرائكم وأحترمها وأرحب بها، اكتبوا ما شئتم فالمساحة كافية ليكتب الجميع، اتركو لي بعضاً من الفرح بالتنوع، سئمت الشكل الواحد، أما يكفيني ما يسقط علي من براميل الحقد وترغمني أن أهوي على أجساد الكثيرين منكم؟
أما يكفيني أن أكون شاهد موت؟ وبدلا من أن تكتبوا (لا للديمقراطية)، (الديمقراطية شرك)، (الديمقراطية كفر) لماذا لا تكتبوا الكلمة القديمة ذاتها (للأبد) هي أريح لأيديكم وأكثر وضوحاً عن نواياكم وعيال الله جربوها وتعايشوا معها، والأهم هي تعبر أكثر عن عمى ولائكم لمن يأمركم بأن تكتبوا، هذا إن كنت تعي أن الديمقراطية أسها وأساسها تداول السلطة.
قهقه الحائط: لن أنسى اليد التي كانت تمتد لتكتبها زمن ما قبل الثورة، فهي ذاتها وقد ولى زمن كان فيه للحيطان آذان فقط بل صار لها أعين وإحساس، وطالما أنتم على ذات النهح اكتبوا والتغير بالأشكال والأسماء فقط، اكتبو ذات ما كنتم تكتبون (أمة إسلامية واحدة. ذات رسالة خالدة) والحائط يعلم إن كنتم جاهلين أن من لا يحتمل إلا رأيه لا يمكنه حمل رسالة خالدة.