المشهد السياسي الدولي والانصياع الأمريكي للدور الروسي

1014148552

زيتون – عبد الكريم أنيس

تقرر أخيراً أن تذهب الهيئة العليا للمفاوضات إلى جنيف، بعد مدٍّ وجزر، وبوالين اختبار بين مختلف عينات الشارع السوري المعارض، في العالم الافتراضي وأيضاً في الشارع السوري المذبوح والذي لازالت دماءه تسيل عبر القصف الممنهج من قوات الاحتلال الروسي والايراني والمليشيات الطائفية كحزب الله بتفويض من رئيس عصابة النظام الخائن والمجرم في سوريا.
وعلى اثر تسريبات تم اطلاقها بعد لقاء السيد رياض حجاب بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عن قيام الولايات المتحدة بتهديد المفاوضين، الذين كانوا نتاجاً عن اجتماع الرياض، أن المجتمع الدولي سيقوم بالتخلي عن دعم المعارضة السورية، في حال لم تمتثل للجلوس على طاولة المفاوضات مع عصابة الأسد في جنيف 3، حصل السوريون على إثر تمرير هذه التسريبات على دعم شعبي قلّ أن يحدث لجهة سياسية أفرزتها المعارضة السورية الخارجية، وكذلك حصل المفاوضون على ما سمي «بضمانات دولية» كما صرح أحد أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات حيث قال المسلط: «حصلنا على ضمانات بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي والعمل لرفع المعاناة كما حصلنا على تطمينات دولية بتنفيذ القرار 2254 «
إن متابعاً بسيطاً من العامة للقضية الفلسطينية، وهي القضية المركزية للعرب والمسلمين، يمكنه أن يدرك أن لا ضمانات دولية في غابة من حيوانات المجتمع الدولي المتغول والذي يعمل وفق مصالح قد لا يمكن تبينها إن تم الالتزام فقط بالحديث عن الشعارات والقوانين الدولية التي تبدوا غاية في العدالة والحرص على السلم الأهلي للعالم ككل.
وبالتالي تبدو مثل هذه المفاوضات مجرد عملية الهاء عن العمل المتوجب على المجتمع الدولي تأديته وبدون طلبات من المعارضة أساساً. فلا يعقل أن طلب ادخال المعونات الانسانية لازال باباً للتفاوض مع عصابة الأسد يمارس عبره ابتزاز المناطق الخاضعة تحت سيطرته للمزيد من الاذلال والقهر والتجويع وهو ما يعتبر بالعرف الدولي القانوني جريمة حرب تستدعي تدخل الأمم المتحدة بدون استئذان لتدخل لتلك المناطق وتدخل اليها ما يستلزم لبقاء المدنيين فيها على قيد الحياة، وهو ما يضع المجتمع الدولي على المحك كبداية حسن نية لرعاية مفاوضات سياسية تنتهي برحيل زعيم العصابة عن السلطة.
ولا يمكن كذلك نسيان مبادرة افراغ المعتقلات من المعتقلين كبادرة لتصفية الخواطر بين أطياف المجتمع السوري قبل أي اجتماعات تفاوضية وضمن مبادرة حسن النية عبر اطلاق عشرات الالوف من المعتقلين السياسيين وتبييض المعتقلات والذين بات اعتقالهم على الحواجز الخاضعة للنظام يتم بناء على اخراجات قيد نفوسهم والتي قد تكون مناطق مناهضة للعصابة الخاطفة للدولة السورية في المرحلة الراهنة.
من ناحية مقابلة وضمن السياق الذي لا يفهمه السوريون من الدولة الامريكية التي تحاول الظهور بمظهر الناقل لاشتراطات خصمها اللدود روسيا، أن الولايات المتحدة الأمريكية أصلاً لا تريد سوى التفرج على المشهد مع استخدام سياسة القفازات البيضاء التي يقوم عبرها البرجوازي الارستقراطي عن الترفع بالقيام بالأعمال التي يعتبرها قذرة عبر أجرائه وموظفيه وهكذا في المرحلة الحالية تبدو حالة الانسجام بين الموقف الروسي والأمريكي وترك ملف الثورة السورية تحت رحمته ليقع في مستنقع عميق، تكرر مع السوفييت في مرحلة سابقة في أفغانستان.
لا تزال النخبة السياسية الأمريكية، التي تعمل بالتخطيط الاستراتيجي البعيد المدى، متفوقة على نظيرتها السابقة السوفياتية، والحالية روسيا القيصيرية، فهي لا تزال تنجح بوضعها على رأس مواجهة خاسرة ضد الحركات الاسلامية الجهادية، وتحول بذلك عبء المواجهة المباشرة معها بصناعتها ولو شكلياً على أنها العدو الظاهري للاسلام والمسلمين بل وحتى التائقين لنيل الحرية وهذا يحمل عنها أعباء مالية وصدامات مع تلك الحركات، والتي لا طائل من ورائها مهما امتلكت تلك القوة العظمى من أسلحة ثقيلة وعتاد ومنظومات متطورة، فهي مجرد تشتيت لقوى منظمة ضد قوى تعاود النمو كما الأشباح في الظلام.
السلاح الوحيد الذي يحد من خطورة هذه الحركات ويجعلها منضبطة للشريعة والفقه الاسلامي بصورته الحضارية، بعيداً عن اقامة ممالك مؤقتة عابرة للحدود والجنسيات، هي العدالة، ووجود ميزان واضح في العلاقات الدولية، وانتفاء الالتفات لمصالح فئة فئوية لصالح طوائف ضمن تلك الدول، على حساب فئات، داخلية أوخارجية، تعتبر حليفة للإمبراطورية الامريكية التوسعية، و يضاف للصورة الراهنة القاتمة حالة تجاذب المصالح الدولية التي تصنع السياسات الظاهرية للعالم تحت مسميات القانون الدولي المتأرجح بين النفاق والمصلحة الوطنية للدول التي تمتلك حق التصويت في مجلس الأمن حسب مصالح الفئة الأقوى، وغير ذلك هو مجرد طمر للجمر تحت رمال لاهبة تجدد قوتها ومواردها وتضحياتها من حالة المظلومية السياسية.
الخطر من هذه الاستراتيجية بالنسبة للثورة السورية أنها ستضع شعبنا الذي لم تمر نكسة الا وحلت فيه ضمن حالة من اللاستقرار الذي سيمتد على مدى طويل من الزمن وسُيدخل المنطقة بدوامة ستبتلع بطريقة غير محسوبة كل المصالح الخارجية لتلك الدول، وستعيق من حالة بناء دولة العدل والمساواة والمواطنة التي تطلع لها السوريون في دولتهم الحلم بعد الخلاص من عصابة الأسد التي دمرت ورهنت البلاد للمحتل الايراني والروسي وبرعاية أمريكية.
أيها السوري الذي تطلع يوماً للحرية، الطريق لازال شاق وطويل وليس لنا الا الله والاستقامة حتى في نزاعاتنا الداخلية البينية كصمام أمان أمام معارك تصفية الحسابات بين هذه الأطراف جميعاً. التغيير بدأ ولا مجال لإيقاف عجلته مهما تبدلت جهات السيطرة العسكرية على المناطق السورية.