في خامسة الثورة.. ما مصير الجيل الأول؟

1005501_1678381292405199_139476877591871222_n

زيتون – محمد فواز 

لم يكن يظن أولئك الشباب الذين خرجوا في أولى المظاهرات السلمية عام 2011، أن التظاهرات ستغير مسيرة حياتهم بالكامل، فهم خرجوا للمطالبة بإسقاط النظام، على غرار إخوانهم في تونس ومصر، وبعد دخول الثورة السورية عامها السادس، تفرقت السبل بهؤلاء الشباب ليعيش كل منه ظروفاُ مختلفة.
كان الطلب الأمني للمتظاهرين هو السبب الرئيس في تخفيهم مما اضطرهم لترك جامعاتهم ومدارسهم وأعمالهم ليتخفوا من قوات النظام، ومع مرور الأيام اختلفت طرقهم، فمنهم من انضم للعمل العسكري ومنهم استمر بالعمل كإعلامي، والبعض اختار المجال الطبي أو الإغاثي، ومنهم من قصد أوروبا بعد اضطرته ظروفه المعيشية لذلك.
وفي ذكرى الثورة الخامسة رصدت زيتون قصص بعض من هؤلاء الشباب الذين تحدثوا عن تجربتهم خلال السنوات الخمس، وعن نقطة البدء في تغير حياتهم بالكامل.
عبد الله الحموي الذي بدأ كمتظاهر سلمي يرفع شعارات إسقاط النظام، يعمل الآن كإعلامي مستقل في ريف حماة يروي لزيتون حكايته «خرجت في أولى المظاهرات في مدينة حماة، ورغم استهداف قوات الأمن لنا بالرصاص الحي، بقيت مستمراُ بالتظاهر، وبعد دخول جيش النظام للمدينة صارت المظاهرات تخرج في الأحياء خوفاُ من قوات الأمن، عملت في تصوير المظاهرات ومن ثم رفعها على الانترنت، وفي أحد أيام الجمعة بعد عودتي من المظاهرة التي كانت في الحي المجاور للحي الذي أسكن فيه، أوقفني عناصر الأمن وتم اعتقالي، بقيت معتقلاُ في فرع الأمن العسكري لمدة ست شهور، رأيت فيها الموت بعيني، وبعد خروجي من المعتقل لم تزدني هذه الفترة سوى تصميماُ على إسقاط النظام، ولكن مع الضغط الأمني الشديد في المدينة اضطررت للخروج منها إلى ريف حماة المحرر، كي أستطيع الاستمرار بعملي في الثورة، ومازلت أعمل في توثيق جرائم النظام وإنجازات الجيش الحر، وعلى الرغم من الأخطار اليومية التي نتعرض لها بسبب قصف النظام، وسوء الظروف المعيشية، إلا أني سأستمر بالعمل في الثورة ولو بكميرتي التي أحملها لأوثق مايجري، كان عمري في بداية الثورة تسعة عشر عاماُ والآن أنا في الثالثة والعشرون، لم أتعلم صنعة ما أو عملاُ لأعيش منه في المستقبل لكني سعيد أني قضيت خمس سنوات من عمري في سبيل إظهار الحق».
أما أبو واصل كما يحب أن يسمي نفسه لأنه الاسم الذي عمل به في الثورة، يقول لزيتون:» كنت طالباُ في السنة الخامسة في كلية الطب البيطري عند بداية الثورة، ورغم محاولات أهلي الشديدة لمنعي من التظاهر خوفاُ علي من القتل أو الاعتقال، إلا أني لم أستطع منع نفسي من التظاهر، فالفساد والظلم الذي كنت أراه كل يوم كان دافعي للتظاهر يصعب كبحه، عملت بجد في تنظيم المظاهرات وكتابة اللافتات وكنت عضواُ في أحد التنسيقيات بالإضافة إلى العمل في المجال الطبي والإسعاف، أنقل الأخبار وأرفع المقاطع على الانترنت وأرصد كل أفعال النظام المجرم في مدينة حماة، لم أعد أستطيع الذهاب للجامعة بسبب الطلب الأمني حيث كنت من أهم المطلوبين في المدينة، ومع ازدياد الضغط الأمني لم يعد هناك الكثير لأقدمه في الثورة، تركت جامعتي وأهلي وكل شيء ورائي وذهبت إلى ريف إدلب حيث أستطيع العيش بحرية دون سيطرة النظام، ومع أني لست ضد حمل السلاح لمقاومة النظام إلا أني لم أجد نفسي في المجال العسكري، لذا تطوعت في الدفاع المدني وصرت أعمل كمسعف، حرمت رؤية أهلي الذين اشتاق لهم بشدة وتركت جامعتي إلا أني أشعر بالرضى عن نفسي لأني لم أتراجع ولم أتخاذل كما فعل الكثير ممن أعرفهم».
ويرى أبو المجد الذي بدأ كمتظاهر سلمي أن هذا النظام لن يفيد معه إلا السلاح والقتال وبغير ذلك لن يرحل ويضيف لزيتون: «بعد عام من العمل السلمي في حمص عرفت أن هذا النظام قاتل ومجرم، وكنت أرى في كل يوم شبابنا يقتل بنيران قوات الأمن في المظاهرات والباقي يقوم باعتقاله، لذا قررت أن العمل العسكري هو الحل، حملت السلاح وعملت دورات في القنص، كنت في بابا عمرو وقاومنا حتى آخر لحظة، وكنت في الخالدية التي أصبحت أسطورة للمقاومة، لكن للآسف الخذلان اضطرنا للخروج، أصبحت الآن قيادياُ في أحد الفصائل العسكرية ، وأنا مستمر بالمقاومة فإما النصر أو الشهادة».
أما زاهر الذي انتهى به المطاف في ألمانيا، فيتحسر على تلك الأيام الأولى في الثورة التي كان فيها من المتظاهرين، قائلاً: «مازالت تلك الذكريات هي آنيسي الوحيد في غربتي، فعلى الرغم من الخطر الذي كنا نعيشه، إلا أني كنت أشعر أني أقدم شيئاُ لنفسي ولوطني، في البداية خرجت بالمظاهرات ثم عملت متخفياُ في المجال الإغائي، كم كنت أشعر بالسعادة عندما أرى النساء والأطفال يفرحون بما نعطيهم، اعتقلت بسبب عملي هذا في عام 2013 لمدة خمس شهور واستطعت الخروج بعد أن دفع أهلي مبالغ مالية طائلة، بعدها أجبرني الأهل على السفر خارج سوريا، لأني ابنهم الوحيد معتبرين أن ما قدمته يكفي، هاجرت إلى ألمانيا إرضاء لأهلي ولكن تلك الأيام التي قضيتها في خدمة الثورة كانت أسعد أيام حياتي».
ما تم عرضه من نماذج هي قصص لبعض الشباب الذين خرجوا في أول الثورة، والكثير منهم لم تعرف قصصهم ، فبعضهم في ظلمة المعتقلات ،وكثير منهم أصبحوا تحت التراب بعد أن ضحوا بأرواحهم في سبيل حرية وطنهم.