معسكر زيزون.. حيث الوجع له شكل آخر

زيزنو

تحرير زيتون 

أفرزت المواجهات المسلحة وتطوراتها واقعاً إنسانياً مأساوياً ومزرياً في محافظة درعا، جنوب سوريا، نتيجة الأعداد الكبيرة من النازحين الذين فروا من القصف، سواء في المناطق المسيطر عليها من جانب فصائل الثوار، أو الخاضعة لسيطرة النظام، ما أفرز بالمقابل تجمعات عشوائية للمهجرين في عدد من مناطق المحافظة، لعل أهمها مخيم «زيزون» غرب درعا.
تبعد قرية «زيزون» عن مركز مدينة درعا قرابة 20 كيلومتراً وتقع إلى الغرب منها، وهي تجمع سكاني يتبع لمنطقة المزيريب. ويوجد في البلدة معسكر لما يسمى «طلائع البعث» أنشئ منذ حوالي 20 عاماً أو أكثر، ليتحول، لا سيما مع مطلع العام 2013م إلى أهم نقطة تجمع للمدنيين النازحين من المحافظة وغيرها، بينها القنيطرة وريف دمشق وحمص، حيث سكن الوافدون إليه في غرف مسبقة الصنع متواجدة في المخيم أساساً.
مئات المدنيين يتواجدون الآن في ما يعرف بين الأهالي والنازحين بـ»معسكر زيزون»، حيث لم يكن لدى هؤلاء خياراً آخراَ، سيما بعد أن قامت السلطات الأردنية بإغلاق المعابر الحدودية مع سوريا ووقف تدفق اللاجئين إليها، وعلى رأسها معبر «تل شهاب» القريب ومعبر «نصيب» و»كويا» و»القصير – حيط».
أم رواد حريري، نازحة في مخيم «زيزون» مع سبعة من أطفالها منذ العام 2013م ولا زالت تقيم فيه، بعد استشهاد زوجها برصاص قوات النظام، تقول لـ»زيتون»: «حال الناس هنا تبكي البشر والحجر، لا توجد خدمات نظافة ولا صحة، الطعام والشراب بالحسرة علينا، ما يأتي لبعض الفصائل توزعه علينا، وكل فترة يأتون إلينا بكرتونة صغيرة لا تطعم الأولاد خمسة أيام».
وتضيف «نحن نطلب وطلبنا ألف مرة أن تأتي ما يسمونها الحكومة المؤقتة أو الائتلاف أو الأمم المتحدة لزيارتنا هنا في المعسكر، عندما يأتوا سيروا حالتنا بأم أعينهم. وتتسائل: «أليس هناك مخصصات للنازحين؟ ألسنا نحن من تشردنا بسبب الحرب؟ أين نذهب بحالنا؟ كل الحدود مغلقة أمامنا؟ أقيم هنا مع أولادي في غرقة لا تتسع لثلاثة أشخاص، شتاء مثل العلقم مر علينا لا يعلم بحالنا إلا الله وحده».
ويقول مزيد نواوي، وهو أيضاً نازح في المخيم من ريف درعا، إنهم طلبوا لقاء مسؤولين في الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة أو الاتصال بهم لشرح واقع الحال، لكن ذلك لم يحصل «لأن الحكومة والائتلاف منشغلين بأمور أخرى» كما يقول متهكماً، ويضيف «أقيم هنا مع ثمانية أولاد، بينهم شبان في غرفة مساحتها تسعة أمتار، نضع كي نستر حالنا ساتر قماشي أمام الغرف كمطبخ ومكان للغسيل ونستخدم أحد الغرف كحمام، لأن الحمام جماعي هنا. التنظيم يكاد يكون معدوم لولا جهود بعض الخيرين والمتطوعين، ومع ذلك فالوضع مأساوي جداً ولا حال أردأ من الذي نعيش به الآن، حياتنا مريرة، هؤلاء المسؤولين في المعارضة لو كان لهم أولاد مشردين لحسّوا بنا!!».
يفتقر مخيم زيزون غرب درعا لوجود نقاط طبية تخدم النازحين المتواجدين فيه، القادمين من مناطق ريفي درعا الغربي والشمالي الغربي والشرقي والمدينة، وبعض منهم من نازحي القنيطرة المجاورة لدرعا غرباً، وقلة من ريفي دمشق وحمص، ممن قدموا للخروج للأردن وبقوا في المنطقة بعد إغلاق الحدود من الجانب الأردني، وتشير المعلومات إلى أن أعداد القاطنين في المخيم لا زالت بازدياد، لا سيما من الأطفال والنساء وكبار السن.
تقول سوسن، وهي لاجئة تقيم مع والدتها الكبيرة السن في المخيم: «الحال أصعب من أن يشرح بالكلام، لا نظافة ولا طعام ولا ماء ولا كهرباء، عن أي شيء يتحدث الإنسان. لقد أصبحنا سلعة يتاجر بنا الجميع ليجمعوا الثروات على ظهورنا، المعارضة والنظام والدول كلها، نحن هنا نعيش بحماية الله فقط ولا نريد شيء من أحد لأننا طلبنا كثيراً ولم نحصل على أي حق..».
خدمات النظافة ومعايير الصحة العامة شبه معدومة في المخيم الحدودي مع الأراضي الأردنية، ما يشكل خطراً على النازحين داخله بشكل عام، لا سيما بفئة الأطفال. كذلك المدارس منعدمة وخدمات التعليم والدعم الغذائي غائبة. ولا وجود لمستوصفات صحية في المعسكر، فيما يقدم مستوصف تل شهاب الذي يبعد 7 كيلومترات عن المخيم الخدمات الطبية الأولية للنازحين.
سالم خ. نازح آخر في المخيم يقول: «أتيا بأولادنا لهذا المكان كونه آمن نسبياً فقط، أردنا أن نكون بمنأى عن القصف وضربات الطيران، فوجدنا موت من نوع آخر هنا. إذلال للحصول على مستحقاتك الغذائية إن وجدت، ومعاناة في تأمين قوت يومك أنت وأطفالك في غالب الأحيان، العمل غير متوفر، والأطفال لا ترحم».