رحلة الموت

رحلة الموتسومر باكير
لم أكن أفكر فيما سيحدث وأنا في عرض البحر على متن قارب مخصص لعشرة أشخاص يحمل قرابة المائة شخص
مائة رجل وامرأة وطفل ، كنت أتجاهل التفكير في الموت والغرق ، كنت فقط أريد الخروج، فقط أريد أن ابتعد عن صوت القصف ومشاهد الدماء ونقص الطعام وانعدام الهواء في بعض الأحيان
توجهت إلى تركيا أبحث عن طريقة للتهريب، مضت أيام وأنا أبحث ودائماً اشعر بأنني اقترب من الموت أكثر ، حينها كنت أتخيل شوارع تلك الدولة الأوربية التي سأتجول بها لساعات متأخرة من الليل دون أن أخاف من موت مفاجئ يصيبني
وجدت بعد بحث طويل عن رجل سيقوم بتهريبي عبر البحر ، بدأ يشرح لي عما سيحدث وماذا أفعل في جميع الحالات التي قد أمر بها في البحر، إلا حالة، وهي الغرق
توجهنا قبل شروق الشمس بقليل إلى الشاطئ ، حيث وجدت ما يقارب ال100 شخص ينتظرون أيضا.ً ، كائن ضخم القامة أسود البشرة أبيض الشعر والدقن كان يخاطب الجميع كأنهم عبيد: ضعوا نقودكم التي اتفقنا عليها في أيديكم، ويمرّ عليهم فرداً فرداً ويجمعها
مر بي أيضا وأعطيته النقود، أعطيته النقود كي أدخل في البحر واذهب إلى طريق طويل ينتهي بالموت أو أعثر على ذلك الفرع فيه الذي يقودني إلى الحياة الجديدة
صرخ بأعلى صوته مشيراً إلى مركب على الشاطئ، هذا هو المركب ، الذي ستبحرون به ، اذهبوا واجلسوا به ، حاولوا أن تأخذوا أقل مساحة ممكنة حتى يتسع للجميع، لا تتجمعوا في مكان واحد وإلا ستغرقون، ضعوا الأولاد في منتصف القارب. جلسنا في القارب الذي بدا كرجل عجوز يحمل في يده ما لا يستطيع حمله العديد من الشباب ولكنه يحاول أن يصمد. سأله أحد الأشخاص ، كم سنبقى بالبحر ؟ قال له ساخراً، إلى أن تصلوا
أعاد الرجل سؤاله فأعاد المهرب نفس الجواب، كنت أفكر في كل شيء، إلا في في لحظة صرخ بها المهرب، من منكم يجيد قيادة المركب ؟ كان الجميع مصدومون من هذا السؤال ، لم يجب أحد
سأل ثانيةً وقد بدا عليه الضجر، من منكم يجيد قيادة المركب ، من منا ؟ وهل سيقود بنا شخص منا ؟ ماذا عنك ؟
أنا سأرافقكم حتى المياه الدولية وبعدها ستكملون بأنفسكم ، ما هذا العهر ! وهل نحن في سيارة والطريق المعبد أمامنا لنسير به ؟ أم أننا في بحر وهناك ملايين الاحتمالات والطرق ، أجابه أحد الشبان، أنا
اقترب منه وقال له ابق قريب مني وسأطلعك على كل ما تحتاجه
مضينا في البحر
كنت سعيداً لأمر واحد فقط، إنني سأتوقف عن التفكير والتردد في التراجع، فأنا الآن على متن القارب العجوز كما أسميته ولم يعد بمقدوري التراجع
لم تمض نصف ساعة إلا وتوقف المركب بجانب قارب صغير ، قفز عليه المهرب ، ومن لطفه أن تمنى لنا رحلة موفقة
وأعطى الدفة لذلك الشاب الذي لا يدري ماذا يفعل لو أضاع تلك الخريطة الصغيرة التي أعطاه إياها المهرب
انطلق المركب من جديد وكانت الشمس قد بدأت بالشروق أكثر فأكثر، نظرت حولي علني أجد من أكسر الصمت معه، وجدت رجلاً أربعينيا يلخص وجهه معاناة تلك السنوات الثلاث التي مضت من عمر الثورة
شاباً في مقتبل العمر يضع في رأسه سماعات هاتفه المحمول، كأنه يودع أصوات من يسمعهم قبل أن ينتهي شحن هاتفه المحمول… أو قبل أن تنتهي حياته
امرأة في منتصف المركب وفي حضنها طفلها النائم والذي بدأت أشعة الشمس تضايقه, ألا يستطيعون أن يضعوا غطاءاً لسقف هذا المركب ؟ أظن انه لن يكلف القليل القليل من أجر شخص واحد ممن هم على المركب الآن. ، جميعهم لا يرغبون بالكلام ، أو يفضلون الصمت
– ما الذي دفعك إلى أن تصعد في هذا المركب وتبحر ؟ سؤال أتاني من فتاة بجانبي لم الحظ وجودها، نظرت إلى البحر والى السماء والى الشمس التي بدأت فعلا بإزعاجنا
– سؤالكِ هذا يحتاج لوقت طويل
قالت لي سنبقى أسابيع في البحر
لم اعد املك شيء ولم اعد احلم بشيء ولا أقوى على فعل شيء، أصبحت أرى الموتى أكثر من الأحياء، البيوت المدمرة أكثر من البيوت المشيدة، صوت الطائرات وبراميلها يقتلني كل يوم، نداءات المساجد للتبرع بالدماء، أصوات سيارات الإسعاف، أصوات التكبير عندما يخرجون طفل من تحت منزل مدمر، لماذا يكبرون وعائلته كلها قد قضت.
فقدت دراستي وعملي وأصدقائي ونفسي
– لم سأبقى ؟ لم تعلّق على كلامي وفكرت بأن أعيد سؤالها لها فلم أرغب
وهل سيكون جوابها لأنها ترغب بالسياحة أم أنها مثلي ومثل كل من هم على هذا القارب، فقدوا الكثير.
حاولت أن أغفو قليلاً إلا أن صوت الشاب أيقظ غفوتي التي لم تتم العشر دقائق ، نحن حتى الآن على الطريق الصحيح وفق الخريطة، أخبرني المهرب أننا سوف نقضي ثلاث أيام في البحر حتى نصل إلى الجزيرة الأولى. قالها وهو يشعر بأنه يقوم بإنجاز عظيم
لا أدري هل علي أن أفرح لأنني في البحر منذ قرابة العشر ساعات ولم أغرق، أم أخاف من اقترابي من الموت الذي قد يأتي في أيّ لحظة، كانوا يرتدون سترات النجاة، لم أكن أرتدي واحدة فنقودي لم تكن تكفي ولقد حاولت أن أجمع أكبر قدر من المال ولم استطع الا أن اجمع المبلغ الذي أخذه مني المهرب لقاء موتِ في طريقي إليه.
ماذا لو غرق المركب ؟ كنت أتساءل في داخلي هذا السؤال ولم أدرك أنني قلتها بصوت مسموع من قبل من حولي إلا حين أجابني شاب يجلس على يساري:
سنموت…. سنموت ! وماذا تعتقد ؟ ستأتي إلينا الطائرات والسفن وطواقم الإسعاف من كل جهة لتنقذنا ؟ سنموت كلنا
لماذا إذن هؤلاء يرتدون سترات السباحة
كي يغرقوا بعد أن يغرق المركب بساعتين، حتى لو سبحوا فلن يصلوا
كنت أنظر إلى كل شخص في المركب وأتخيله وهو يحاول أن يطفو على سطح المياه وسرعان ما يبدأ جسمه في النزول تدريجياً في البحر
– من السبب برأيك ؟ سؤال ثاني من قبل تلك الفتاة – سبب ماذا ؟ – سبب حالتنا هذه
– النظام ؟ – لا – نحن ؟ – لا – من إذن !
– الجاذبية.. البراميل تسقط علينا بفعل الجاذبية نغرق في البحر بفعل الجاذبية تسقط البيوت بفعل الجاذبية الجاذبية هي السبب تباً للجاذبية فهي من يقتلنا
وأردفت كلامها فوراً وكأنها لا تريد أن تتابع في نفس الموضوع، نحن في البحر من الصباح وأوشكت الشمس على المغيب، لدي بعض الطعام لو أردت
– كلا شكرا لدي في حقيبتي
– أتمنى أن نصل قبل أن ينتهي الطعام
قالتها وأغمضت عيناها لتنام
أغمضت عيناي أيضاً ، متى نصل !

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*