إسلام الحقّ وإسلام الدق

54ba9219601e9bb8218b45c1

(لعمى شو دمه كتير)
عبارة التعجب هذه أطلقها الشيخ بعد أن احتزّ شيخ آخر بسكينه الرقبة وبعد أن أعياه الجهاد وهو يحاول أن يفصل الرقبة عن الجسد لتأتيه التعليمات من الشيخ الآخر بقوله: «دقللو رقبتو دق يا شيخ»
هذا المشهد الذي تخللته هذه الحواريّة لم يكن لقربان أو أضحية يُنحر فيها خاروف أو بقرة في مناسبة ما ليوزّع لحمها على فقراء المسلمين، ولم يكن مشهداً متخيّلاً لمن يحاول كتابة فلمٍ من أفلام الرعب، بل هو فيديو صُوِّر في وضح النهار في ريف إدلب من قبل أحد المجموعات الإسلامويّة وكان الضحيّة رجل، نعم رجل بلحمه ودمّه الغزير الذي أبهر شيخنا الجليل.
لم يكن الرجل يرتدي الزيّ العسكريّ، ممّا يعني أنّه لم يكن مسلّحاً ولم يكن من شبّيحة النظام، ولكنّه كان يرتدي الزيّ الشعبيّ لأهل المنطقة ويلهج بلهجتهم ومن بعض العبارة التي تلفّظتْ بها فرقة «الدبيحة» أو على حدّ تعبير أحدهم «الشيخبيحه» يتبيّن أنّ جرمه هو قضاء بعض الحاجيّات لعناصر النظام المتواجدين على أحد الحواجز في المنطقة.

وبغضّ النظر، أيّاً كانت فعلته والعقاب الذي يستحق يبقى التساؤل المطروح ما الغاية المرجوّة من هكذا أساليب في العقاب؟ وبغضّ النظر عن المضمون ومعاينة حيثيّات أيّة واقعة إن كانت طلقة في الرأس أو ذبحاً بالسكين وإن كان الجاني أو العاصي حسب العرف الإسلامي يستحقّ ما ينزل به من عقاب.

ففي جميع ما ينشر ويصوّر من هكذا فيديوهات لا يتلى بشكل واضح الذنب أو المعصية التي اقترفها (اقترفتها) الجُناة بشكل مفصّل وواضح ومن ثمّ القاعدة الشرعيّة التي استندت إليها المحكمة والتي تمّ تعيين أعضائها من الفصيل المسلح التابعة له وأُطلق على هيئتها (المحكمة الشرعيّة ) والتي تشرّع وتحكم وفق ما يدعيه هذا الفصيل دون سواه من فهم وتفسير، فهم نصوص وأحكام الدين الإسلاميّ ولا ما معنى أن يكون على الأرض وفي مساحة جغرافيّة صغيرة أكثر من محكمة، وبالتالي أكثر من رؤية وتفسير.
إنّ عدم توضيح موجبات تنفيذ العقوبات بشكل واضح وصريح للعامّة يعني الاستهتار بالجمهور وعدم أخذ مداركه ومشاعره بالحسبان وبالتالي إقصائه عن معرفة حقيقة الأمور ولسان حال هذه المجموعات أنّ من يحكم ويقرّر وينفّذ وما عليكم يا عباد الله إلّا الامتثال لما أراه أنا شريعة الله.

وهذا لا يختلف عمّا كان يمارسه نظام الطغيان الذي انتفض عليه الشعب السوريّ والفارق أنّ الطغيان السابق كان يرتكب جرائمه في الأقبية والزنازين دون أيّ إشهار، أمّا ما يتمّ الآن من تصوير ونشر وعلى عيونكم يا عباد الله وباسم الله، الآن هذه المشاهد غالباً ما تكون نهاياتها بموت الضحيّة وإعلان أبطال الفيلم انتصارهم بالتكبير.
ولكن هنا الانتصار من طبيعة مختلفة بكلّ الحيثيّات فالأبطال هم من ادعى أنّ الله وهبهم صكّ يحقّ لهم بموجبه أن يمثّلوه ويقيموا شرعيته على أرضه والضحيّة عبد من عباده قد يكون أمّي لا يعرف حتّى القراءة ولا الكتابة، فما بالك بلا حدود أو قد تكون عوالق ورواسب مجتمع الاستبداد والطغيان ما زالت تفعل فعلها بما تحمله من أمراض بذاته وذواتنا جميعاً.
أمّا إن كانت الغاية من الإشهار والتصوير إرهاب عباد الله فيكفي هؤلاء المساكين ما يلاقونه من إرهاب عصابات الإجرام، وان كانت الغاية هي إعادة من انحرف من عباد الله عن جادة الصواب فالعودة إلى الله ومحبّة الله لا تكون بإرهاب عباده (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك) ما يقرّب العباد من ربّهم والذي هو أصلاً ليس بحاجة لهم فالله غنيّ عن العالمين، ولكن من حكمته في تقرّب عباده وليس عبيده منه هو تسهيل وتيسير أمورهم وإظهار رحمته وعفوه ومغفرته ممّن ادّعوا تمثيله.

وإظهار الإسلام الحقّ لم يصوّر وينشر أيّاً من الفيديوهات التي تظهر بأنّها أو بأنّه بعد أن عرف عنهما ارتكاب المعاصي وبعد إرشادهما ونصحهما من قبل المحكمة الشرعيّة أو من قبل هيئة منبثقة عنها، إنّ المذنب أو العاصي قد أقرّ بذنبه وتاب إلى ربّه وعاد إلى رشده وهو الآن.
أم أنّ هذه الإنجازات وإعادة التأهيل والتي هي غاية العقاب أوّلاً وأخيراً ليست من اختصاص من ادّعوا تمثيل الله على أرضه وعلى عباده، لماذا هذا الإصرار على تصدير الإسلام على أنّه دين قتل وإجرام وإرهاب، ألا من مجموعة راشدة غايتها العمل على تصدير الإسلام على أنّه دين محبّة وحقّ وليس دين جزّ ودقّ.

اياد الحسن