حكايا “الباعة المتجولين” السوريين في تركيا

12992931_1073694946034858_686859761_n

زيتون – عمر محمد 

«جهاد» شاب سوري من ريف حلب، يودع اليوم عقده الثالث وقد أنهكته ظروف الحياة في بلاد اللجوء، وكان قد امتهن «بيع الخبز» طريقةً لكسب قوت يومه، بعد أن شردته الأحداث، وهُجِّرَ من بلده، فأنطلق إلى ولاية أضنة التركية عسى أن يجد له من يساعده وأسرته للبقاء على قيد الحياة، بدأ رحلة البحث عن عمل، وكانت أول فرصه «عامل في ورشة خياطة» وبراتب زهيد لا يتجاوز الـ «700 ليرة تركي» والتي يجب أن تغطي «ايجار المنزل وفواتير الكهرباء والماء ومستلزمات الحياة» له ولزوجته وطفليه، ولأسباب صحية قاهرة أنقطع عن العمل قسراً ليعاود البحث من جديد فيستقر على مهنة «بيع الخبز السوري» على دراجة هوائية، واستطاع بعد مدة من الزمن استدانة مبلغ من المال ليقوم بشراء «دراجة كهربائية» ، فقد أصبح عمله الحالي يعينه على ذلك.
مضت أيام وأسابيع عدة وهو يتنقل عبر «دراجته الكهربائية» التي يسعى للعمل على إيفاء ثمنها، من خلال عمله.
يقول جهاد: «كأي سوري»، وبحثاً عن لقمة العيش الصعبة المنال هنا، وكوني لا أملك المال الكافي للسفر إلى أوربا، وبعد عناء وجهد استطعت أن أجد هذا العمل، لا أزاحم الأتراك في عملهم، ولم أحصل منذ 3 سنوات حتى اليوم على أي مساعدة من أي جهة سورية كانت أو تركية».
منذ عدة أيام وبتاريخ 11 نيسان / ابريل 2016 وهو يسير بدراجته ليقوم بتوزيع «الخبز السوري» صادفته «دورية بلدية» كما قال، وأخذوا منه كمية من «الخبز السوري» وطلبوا منه مراجعتهم في «بلدية أضنة».
ذهب جهاد إلى البلدية وطلب استرجاع حقه، فهو رزقه الذي يعيل به أسرته، وكان جوابهم «أخرج من هنا وإلا أخذنا لك دراجتك الكهربائية أيضا».
يقول جهاد: ما كان مني إلا أن خرجت فأنا لم أتمكن حتى اليوم من سداد ثمنها، وهؤلاء لا رحمةً في قلوبهم» ونظر إلى السماء وقهر الرجال يعتريه.
«محمد» مواطن سوري من حلب، 40 عاماً، بعد أن اعتقلته قوات النظام الأمنية في سوريا، تمكن من مغادرة سجنه بعد دفعه أموالا طائلة، وأنطلق في رحلته مع زوجته وأطفاله الثلاثة ليصل إلى تركيا ويبدأ رحلة العناء المضني في ولاية أضنة.
استطاع محمد أن يشتري عربة وعمل بمهنة «بيع الذرة» وأنطلق إلى «حديقة أضنة العامة» وبدأ العمل هناك، واستطاع بعد فترة وجيزة أن يشتري دراجة كهربائية تعينه على «جر عربته»، يقول محمد «قبل أن أتمكن من شراء هذه الدراجة، كنت أصل لمكان عملي وأنا منهك تماماً، وأصبح عملي يكفيني وعائلتي، والحمد لله، حتى أصبحت كالهارب من جريمة قتل، أخرج يومياً واضعا روحي على كفي، فالمطاردة يومية بيني وبين عناصر بلدية أضنة، والآن أنا مهدد بالطرد من منزلي كوني لم استطع دفع ايجاره منذ 4 اشهر، وخلال نحو عامان من تواجدي هنا لم أحصل على أي معونات تركية أو سورية»، ويبتسم بحرقة.
أما «عبد الله» شاب سوري من غوطة دمشق، السابعة والعشرون من عمره، أنتقل إلى مدينة أضنة التركية، ليعمل على مهنة بيع «حلوى القطن» التي تعرف في سورية باسم «غزل البنات»، حيث أنه يعيل أسرته المكونة من والديه وزوجته وأطفاله.
اشترى «عبد الله» دراجة هوائية، وقطعة خشبية بطول متر ونصف تسمى «عامود»، وبدأ بتزين «عاموده» بأكياس «غزل البنات» زاهية الألوان، وأنطلق بدراجته، باحثاً عما يعيل به أسرته، وبدأ الأمر جيداً وكفاه معاشه، وكانت وجهته «حديقة أضنا العامة» يتجول على دراجته ضمن ممرات الحديقة، لكن القدر كتب عليه أن يعاني ما عاناه «محمد» و «جهاد».
ويقول عبد الله «عناصر بلدية أضنة لا يدعوننا وشأننا، فقد صادروا مني العامود بما يحمل أكثر من مرة، ولم أجد أي عمل آخر لكي أقتات منه، كما أنني لم أتلقى أي مساعدة من أي جهة، واليوم أنا مدين بأكثر من 2000 ليرة تركية، العديد من العمال السوريين تأذوا من عناصر البلدية، وما يضيقون به على العاملين من الملاحقة ومن معاملة سيئة، ولا نريد أن نعمل بشكل غير قانوني، ولكن لم نجد فرصة عمل كآلاف السوريين، ولم نحصل على مساعدة من الحكومة التركية، ولا حتى من مؤسسات وجمعيات الإغاثة التركية أو السورية إن وجدت، ولا أموال لدينا كي ننشئ مشاريع صغيرة، ولا نستطيع العودة إلى الوطن، كما أننا لا نملك ما يكفي كي نستطيع الهجرة إلى أوربا، ولا باليد حيلة».
وتبقى معاناة السوريين، تلوح بالأفق دونما جدوى، ودون أي تلميح بحل يخفف منها، ويبقى السوري يصارع يومه محاولاً التغلب عليه، بإنتظار حل يقلل من تلك المعاناة، ويبقى المجهول يغازل مصيرهم، فهل ستكون هناك خطوات جدية من الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والحكومة السورية المؤقتة، لمنع كارثة حقيقة ستحل بأبناء الشعب السوري خارج أرض الوطن، أم أن اللاجئين السوريين سيبقون مجرد أرقام تتسارع في تزايدها؟.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*