دين الطغاة

10639565_673905629396783_448645191953280110_n

(أنتم دعاة الحريّة والديموقراطيّة والدولة المدنيّة جرّبناكم ولم نرَ منكم إلّا الدمار والخراب والفقر والاستبداد) كثيراً ما أقرأ هذه العبارات وغالباً ما يكتبها بعض المتأسلمين سياسيّاً ظنّاً منهم أنّها عين الحقيقة وأنّها ستفقأ عيون دعاة الدولة المدنيّة.

والفهلويّ الذي يروّج لهكذا خطاب،امّا أن يكون غبيّاً بالمعنى السياسيّ والاجتماعيّ بغضّ النظر عن مستواه التعليميّ أو أن يكون مزوّراً لحقائق التاريخ والواقع، لأنّها وعلى ما يبدو مازال يرى الأمور مشوّهة، فهو لم يستطع بعد أن ينزع (الطمّاشة) التي وضعها الاستبداد خلال عقوده الطويلة على عقله وفكره ليعيد قراءة الوقائع كما هي، دون تشويه وتزوير، فإن كان هذا أو ذاك غباء أو تغابياً.
فمنهم الذين تدّعي حضرتك أنّك جرّبتهم فكلّ متتبع محايد للمشهد السياسيّ في سورية قبل الثورة، يدرك أنّنا جميعاً قوميّين وإسلاميّين وليبراليّين وكلّ أطياف المجتمع السوريّ السياسيّ والاجتماعيّ، لم تجرّب إلّا عصابة مستبدّة وطاغية ليس لها دين.
فدين الطغاة هو الطغيان وهدفهم الأوحد هو السلطة، والسلطة فقط بأيّ طريقة كانت، وقد ارتكزت على تحقيق هذا الهدف على كلّ من باع ضميره وذمّته للشيطان بغضّ النظر عن أيّ شيءآخر.
فقد استفادت عصابة الطغيان في سورية من القومجيّين والعروبيّين بخداعهم بكذبة إدعائها المقاومة والممانعة وكذلك من دعاة الدولة المدنيّة بتسويق سلطتها كسلطة علمانيّة وديموقراطيّة، وأكثر ما استفادت عصابة الطغاة ممّن يدعون أنّهم رجالات دين، وذلك ببناء عدد كبير من المساجد وتوليها الأشراف على مدارس شرعيّة وتكمن استفادة السلطة من دعاة الفكر الدينيّ الإسلامويّ لمن يدّعون أنّهم يمثّلون هذا الفكر، دين من تأثّر على عواطف ومشاعر البسطاء والسذّج، وهم يمثّلون الغالبية العظمى من جمهورالمجتمع، ألم يكن رجال الدين راضين أو مكرهين يدعون للقائد المفدّى بعد خطبة كلّ جمعة؟،ألم تكن وزارة الأوقاف عبارة عن مؤسّسه تابعة للسلطة وتأتمر بأوامرها؟ألم يبكي فيما كان يُطلق عليه العلّامة (محمّد رمضان البوطيّ) ويبكي معه ملايّين السّذج من السوريّين على وفاة الطاغية وولده، ثمّ ماذا عن مَن مازال وإلى الآن يفتي للقتلة والطغاة (أحمد حسون) وآخر ما قاله منذ أيّام قليلة على مدرج جامعة دمشق (إذا كان الارهابيّون والتكفيريّون يهتفون قائدنا إلى الأبد سيّدنا محمّد فأنا – والكلام لحسون – أقول: قائدنا إلى الأبد بشّارالأسد) وعليه فنحن جميعاً لم نجرّب، بل كنّا المجرّب بهم وعليهم، وفعلاً استطاعت عصابات القتلة أن تثبت هيمنتها باعتمادها على كلّ مَن قبِل أن يلعق فتات موائدها.
ومن يريد أن يأخذ الخطاب في نفس السياق يستطيع القول: نحن كذلك جرّبناكم، فكلّ تجارب الإسلام السياسيّ المتطرّف إلى الآن هي تجارب مثال للفشل، فهاهي الصومال وأفغانستان وتجربة القاعدة في العراق وفي مناطق أخرى وإلى الآن لم ينجح الإسلام المتطرّف في بناء(دولة إسلاميّة) ولاحتّى شبه دولة يعتدّ بها.
وعلى العكس من ذلك وإذا لم نشأ الذهاب بعيداً واستحضار تجارب دول مدنيّة ديموقراطيّة على النموذج الغربيّ، فلنا في الدول المسلمة تركيا وماليزيا نموذجاً يمكن الركون إليه، فهذه الدول استطاعت وبفترة قياسيّة إذا ما قيست بعمر الدول أن تبني دولاً يعتدّ بها على كافّة الصعد الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وتصبح دولاً قوية يحسب لها حساب في المشهد السياسيّ الدوليّ.
ليست الغاية قدحاً أو ذمّاً أو كيل مديح لطرف دون آخر، وإنّما الشيء بالشيء يُذكر، فكما لا يمكن أن نحتسب “داعش” وأغلب ممارسات الفكر الدينيّ المتطرّف على الإسلام، كذلك لا يمكن أن نحتسب الطغاة ونهجهم القمعيّ والاستبداديّ على المطالبين بدولة مدنيّة، وإذا ما قيل هذا سيقال ذاك.

أسعد شلاش