“الانقلاب الأبيض في درعا”.. أسبابه وأسباب فشله

crop,700x395,2028473696

زيتون – ياسمين محمد

أصدر المجلس العسكري لقوات شباب السنة، العامل في مدينة بصرى الشام بريف درعا، صباح يوم الأربعاء 3 آب الجاري، قراراً يقضي بتعين «محمد طعمة المقداد» الملقب «أبو طعمة» قائداً عاماً للفرقة، بدلاً من «أحمد العودة» الملقب «أبو حمزة»، وسط مطالبةٍ من قبل الأهالي، والعسكريين المناهضين للعودة، بمحاسبة العودة بتهم تتعلق بعضها بالفساد.
وأدى القرار إلى حدوث انقسامات في صفوف مقاتلي الفرقة، بين مؤيدٍ ومعارض، ونتج عن ذلك سيطرة القيادة الجديدة على مستودعات الأسلحة والذخائر والقلعة والفندق، إثر اشتباكات جرت بينهم وبين أتباع «العودة» القائد السابق للفرقة، الذين رفضوا تسليم أسلحتهم للقيادة الجديدة التي سيطرت على مستودعات ومقار الفرقة في المدينة.
ووجد «العودة»، مختبئاً مع مجموعة من القادات المؤيدين له من بينهم «محسن العقيل، وعلي أحمد الصباح»، في فيلا في مدينة بصرى الشام، بعد أن انتشرت شائعات بأنه غادر المدينة مع مؤيديه، وتم وضع عدة حواجز في الطريق إلى المدينة من قبل القيادة الجديدة، لمنع وصول أي مؤازرة للعودة.
وتم إلقاء القبض على كلّ من «العودة، والعقيل، والصباح»، وتدخلت بعض فصائل الجبهة الجنوبية مضافا إليها دار العدل في حوران وهيئة الاصلاح، وتم تسليمهم المذكورين، بعد تعهّد خطي من القيادة الجديدة بتسليمهم، وإيداع «العودة» لدى فرقة «أسود السنة»، مقابل مثولهم للمحاكمة بتهمة الشروع بالقتل.
واعتبرت كل من الفصائل المتدخلة ومحكمة دار العدل وهيئة الاصلاح في حوران، أطرافا ضامنة لهذا الاتفاق.
ولكنّ ما حدث هو أنّ «العودة» هاجم مدينة بصرى الشام فجر اليوم التالي، مستخدماً الدبابات والهاونات والرشاشات الثقيلة، وسقط عدد من الشهداء والجرحى في المدينة، وتمكن من السيطرة على المدينة، وقام بتهجير عدد من المعارضين له، واقتحام بيوت المشاركين بالانقلاب عليه، كما تم قتل «خالد المقداد» أحد قادات الفرقة.
الأسباب:
وكان هذا الحراك الشعبيّ، قد جاء بعد التعديات التي قام بها كل من «العقيل والصباح»، من استهتار بدماء الأبرياء من مدنيين وعسكريين، وانتهاك لحرمات البيوت دون أي رادع أو محاسب أو رقيب، والتي كان آخرها إطلاق الرصاص على «عبد الكريم طعمة المقداد»، من قبل «محسن العقيل»، أثناء تواجدهما في مجلس للعزاء في المدينة، وضرب «علي الصباح» للمقداد بعدها، وفقاً للبيان الذي أصدره «محمد الطعمة»، الذي تسلم القيادة بدلاً عن العودة.
وأضاف «الطعمة»، في بيانه، بأن «الصباح» قام أيضاً بإطلاق الرصاص على رأس ورقبة «عبد الرحمن طعمة المقداد»، وتدخلت هيئة الاصلاح في حوران للصلح، وكان المطلب الوحيد إيداع «الصباح» في دار العدل في حوران، ريثما يتم الاطمئنان على حالة عبد الرحمن المقداد، وكانت الإجابة من «العودة» بالرفض القاطع.
هذا ولم يكن «العقيل» و «الصباح»، المجرمين الوحيدين الذين يحميهما «العودة»، فقد اشتكى المجلس العسكري الموحّد في بلدة «معربة» بريف درعا، أكثر من مرة من التجاوزات التي تقوم بها مجموعة «أبو صدام البدوي»، التابعة لفرقة شباب السنة، في بلدة خربا بريف السويداء الغربي، من اقتحام لبيوت البلدة وسرقة محتوياتها والتعرض لأهلها.
وأفاد الناشطون بأنّ ممارسات «العودة» وانتهاكاته، لم تعد تحتمل، وبأنّ هذا الأمر كان متوقّعاً لدى كل من يعرف العودة ويعرف ما يحصل في المدينة بشكلٍ خاص، وفي الجبهة الجنوبية بشكلٍ عام، وتحديداً بعد معركة «تحرير حاجز برد»، التي استشهد بنتيجتها 9 مقاتلين وامرأة مدنية وهُجّر أهالي مدينة بصرى الشام، وبلدة صماد المجاورة لها.
أسباب الفشل:
يتساءل الكثيرون، كيف استطاع العودة الهرب قبل بزوغ فجر اليوم التالي، وتجميع هذه القوات التي تمكن بواسطتها من استعادة السيطرة على المدينة، ومن أين أتى بالسلاح الذي اقتحم به، لولا الدعم الكبير له، وأين هو ضمان الفصائل التي تدخلت في الأمر في اليوم السابق، وأين هي محكمة العدل، وهيئة الإصلاح، وما هو دور كلّ منها؟!.
هذا وكما هو معروف للجميع، بأن «العودة»، يحظى بدعم لا متناهي من قبل غرفة العمليات الدولية «الموك»، وبأنّ «الموك» تعمل على تسليمه صلاحيات واسعة، كما تعمل على دمج فصائل أخرى مع فصيله.
وقد تجلى دعمها له بشكلٍ واضح جداً بعد اقترابه من حدود السويداء، على الرغم من إيقافها لمعركة «تحرير مطار الثعلة»، في السويداء أيضاً بحجة الأقليات، وإثارة الفتنة بين أهالي المحافظتين، علماً أن حاجز برد لا يمكن مقارنته مع مطار الثعلة، من حيث أهميته بالنسبة للنظام وقتله للمدنيين وتأثيره على الجنوب السوري.
يُشار إلى أنه في يوم الأربعاء ذاته، قام «أبو سيدرا» قائد فوج المدفعية، بقتل 3 عناصر وجرح 6 آخرين، لانشقاقهم عن الفوج، وتم تسليمه لمحكمة دار العدل في حوران، وهرب في اليوم التالي.

الوضع الميداني الراهن في درعا:

ما بين معارك وهميةٍ.. وانتقاداتٍ.. واغتيالاتٍ وفلتانٍ أمنيّ.. تقبع «درعا»، عروس الجنوب السوريّ، ومهد الثورة السورية.
تعيش محافظة درعا، منذ معركة «عاصفة الجنوب»، والتي كانت الضربة القاسمة في ظهر جنوب سوريا ككلّ، ودرعا بشكلٍ خاص، انحطاطاً تاماً وتردٍّ في الأوضاع الانسانية والأمنية والعسكرية.
وترزح «درعا» اليوم، تحت وطأة الانتقادات اللاذعة التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة، تزامناً مع معارك «حلب» و «داريا»، في ظلّ توقف الجبهات التي شهدها الجنوب.
وأعلن عن عدة معارك وهمية، في محاولةٍ لتخفيف الانتقادات، وإسكات الأصوات التي تعالت مطالبةً مهد الثورة بنصرة «داريا» و «حلب»، لم تكن أولها معركة «هي لله»، أو معركة «تحرير حاجز برد»، ولم تكن آخرها معركة «تحرير الشيخ مسكين»، اللاتي لم يدمن لأكثر من ساعات.
ومن جانبها فصائل المعارضة، أكدت عدم دخول السلاح إلى درعا منذ عامٍ كامل، أي منذ «عاصفة الجنوب».
وإغلاق ممرات الإخلاء والاسعاف، ووقوع درعا ما بين قوات الأسد من جهة، والميليشيات واللجان المساندة له في السويداء والقنيطرة من جهة ثانية، وميليشيات حزب الله وإيران في القنيطرة من جهةٍ ثالثة، وداعش في ريف درعا الغربي واللجاة من جهةٍ أخرى.
وتعاني درعا من فلتانٍ أمنيٍّ فاضح، ابتداءً بحالات الخطف، مروراً بعمليات الاغتيالات، وانتهاءً بانتشار خلايا نائمة لداعش.
وعانت درعا ولا تزال من «داعش»، متمثلةً بما يعرف ب «جيش خالد بن الوليد»، المكون من «لواء شهداء اليرموك» و «حركة المثنى الإسلامية»، والذي حاول جاهداً على مدى عامين تقريباً عرقلة أي عملٍ عسكريٍّ تفتتحه المعارضة ضد قوات النظام.
و شهدت بلدة «الجيزة» بريف درعا، اعتداءً على بعض شبان البلدة المنشقين عن فوج المدفعية، من قبل «أبو سيدرا» قائد الفوج، أسفرت عن مقتل 3 شبان وإصابة آخرين.
كما شهدت عدة معارك وهمية، تمثلت بمعركة «هي لله» في ريفي درعا والقنيطرة، والتي كان من المفروض فيها تحرير عدة تلال في ريف القنيطرة الشمالي، ونقاطٍ أخرى في منطقة مثلث الموت.
ومعركة «تحرير حاجز برد»، والتي أسفرت عن ارتقاء 9 شهداء من الثوار، وتهجير أهالي مدينة «بصرى الشام»، وبلدة «صماد» المجاورة لها في ريف درعا، وعدة قرى في ريف السويداء، ولم تدم أكثر من ساعتين، وتوحدت الميليشيات المساندة لقوات الأسد في محافظة السويداء في ميليشيا واحدة، على إثرها.
أما معركة «تحرير الشيخ مسكين»، والتي لم تتجاوز مرحلة التمهيد واستهداف معاقل قوات الأسد في المدينة، دون أي محاولة تقدم من قبل الثوار.
في سياقٍ منفصل، انضمّ أكثر من 600 مقاتل إلى «حركة أحرار الشام الإسلامية»، ووردت أنباء غير مؤكدة،عن انشقاق نحو 150 مقاتل من «لواء الكرامة» وانضمامهم إلى جبهة «فتح الشام» أي «جبهة النصرة» سابقاً.
من جهةٍ أخرى، هرب 14 ضابطاً وعنصراً من قوات الأسد من سجن الكوبرا التابع لجبهة النصرة سابقاً، بسيارة للنصرة إلى مدينة ازرع، قاطعين مسافة 5 كم دون أن يعترض طريقهم أي حاجز من حواجز المعارضة.
وتجدر الإشارة إلى أن معركة «عاصفة الجنوب»، بدأت في 24 حزيران من العام الماضي 2015، بهدف تحرير قطاع درعا المدينة، وانتهت بعد منتصف شهر آب من العام نفسه، وأسفرت عن ارتقاء أكثر من 500 شهيد، إضافةً لفشلٍ ذريع.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*