مجزرة الكيماوي.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

14111724_1083656141716440_1320767599_n

قمران غابا في تلك الليلة، غابا عن عيني، وغاب الكثيرين عن محبيهم، اضطر القمر للغياب بعد أن غطى عليه غاز السارين وسط هدوء وسكون الليل، وارتفاع ضغط الجو في ليلة صيفية من ليالي آب، وأُجبر قمري على الغياب بعدما أنهكت قواه بلحظة واحدة رائحة الغاز، كلّ هذا وغيره حدث في تلك الليلة.
لم يكن ذلك القمر يعلم أنه سيشهد في تلك الليلة التي كانت تبدو له هادئة وادعة بمنتهى اللطف والرقة، أقسى مشهد في تاريخ البشرية ربما، ولم تكن قسوته في مشاهده فحسب، بل في نتائجها وفظاعتها ووضاعة وقذارة وخبث منفذيها، بل ربما كان اﻷفظع واﻷقذر هو الصمت المجحف الذي واجهته كل تلك المشاهد.
لم يبدأ الصمت من تلك الليلة، بل سبقها بثلاثة أشهر، فقد عرف ﻻحقاً أن ذلك المشهد يتم التجهيز لعرضه منذ 3 أشهر.. وعندها فقط عرف أن صمتهم ليس من هول المشهد ، وﻻ من وقع الصدمة، ولا بسبب عنصر المفاجأة.. بل ﻹضافة عنصر التشويق على المشهد لمعرفة النتائج، أو قد ربما لعدم تحقيق النتيجة المتوقعة، أو المخطط لها، أو ربما مما شاهدوه من ردة فعلٍ في موقع الحدث.
لم يتوقع أحدهم أن يرَ أناساً عشقوا الموت بهذا الشكل، وضحوا بأرواحهم في سبيل نجاة غيرهم، أو ضحوا بأهلهم وأغلى ما لديهم في سبيل الأرض والهدف، غير آبهين حتى بما حلّ أو قد يحلُّ بفلذات أكبادهم، وخرجوا مقاتلين مدافعين حتى الرمق الأخير، حاملين هدفاً نصب أعينهم “الشهادة أو النصر”، رغماً عن أنف المعتدين والمتفرجين.
وهكذا أسدلت الستارة على العرض، في ليلةٍ كانت هادئةً وادعةً مشرقة، وتحوّلت في لحظةٍ بعد الثانية فجراً، إلى ليلةٍ نسيها العالم بأسره، ولكنها لن تنسى من أذهان وكتابات ورسومات من حضرها.
من يعرف مجزرة الكيماوي يعي أن العرض حمل اسم “ليلة الكيماوي”.. “ليلة الموت بالهواء”.. “ليلة الموت بلا دماء”.


منذ 3 أعوام؛ الساعة الثانية إﻻ خمس دقائق بعد منتصف الليل، بينما الناس نيام سقط أول صاروخ محمل بغاز السارين على الغوطة الشرقية، وبدأت مأساة لم تنتهي ولن تنتهي آثارها على أهالي غوطتي دمشق الشرقية والغربية، فحتى اليوم يولد أطفال مشوهين أو متوفين حسب تعرض أحد اﻷبوين أو كلاهما للغاز، وفق نسب ومقاييس لم يتمكن أحد حتى اﻵن من تحديدها، إضافة ﻻنتشار مرض السرطان في الغوطة وغيره من اﻷمراض وتطورها الغريب جداً بسبب التعرض لغاز السارين، كما أصدرت الديلي تايمز البريطانية تحقيقا صحفيا أفاد بأن واشنطن تكتشف كل يوم تأثيراً جديداً لغاز السارين لم يكن معروفاً مسبقاً، فهذه المجزرة التي صمت العالم كله عنها، واتهم المعارضة بها، واتضح له غير ذلك ولم يجرؤ على اﻹعتراف بذلك بشكل علني.

هذه المجزرة التي تختلف مع بقية المجازر اﻷخرى في سوريا باستمرار آثارها إلى أجل غير مسمى، إضافة إلى أن تلك الليلة كانت بكل ما تحمله الكلمة من معنى “ليلة الحشرالصغرى” وﻻ يدرك معناها سوى من عاش تلك الليلة في بقعة ما من سوريا تدعى الغوطة الشرقية، طبعا والغربية ولكن آثارها في الغوطة الشرقية كانت أكبر منها في الغربية.
عندما ترى أطفاﻻً في سنواتهم الأولى يرسمون نيراناً مشتعلة في كل مكان، وتراهم يرسمون أجساداً يصبّ عليها الماء بدﻻً من أن يطفئ تلك النيران فاعلم أنهم يصورون لك جزءاً مما شاهدوه في مجزرة الكيماوي بغوطة دمشق.. كنتُ أنا واحدةً ممن شاهد كلّ ما سبق.. وللقصة بقية.

زيتون – شاهدة على مجزرة الكيماوي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*