تركيا والأردن تحرمان السوريين من رؤية أسرهم

تركيا

زيتون – عمار الشاعر 

لا تنحصر معاناة الشعب السوري بالقتل والدمار والتهجير والتغييب القسري والاعتقال فقط، فهناك جانب أكثر إيلاماً ربما من كل ما سبق، فبعد أن تم تهجير نصف الشعب السوري ما بين الداخل ودول الجوار والاتحاد الأوروبي، طفى على السطح نوع أكثر قسوةً من أنواع المعاناة التي تلازم السوريين منذ أكثر من خمس سنوات، ألا وهو غياب الزوجة عن زوجها وتقطع السبل بين أفراد العائلة الواحدة، بسبب الحدود، فالأب مثلاً يعيش في تركيا والزوجة لا تزال في سوريا والأطفال موزعون بين الأردن ودول الخليج ودول الإتحاد الأوروبي، ولا أحد يستطيع رؤية الآخر إلا عبر الصور الخالية من الروح من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل فرض تركيا لتأشيرة الدخول إلى أراضيها على السوريين منذ بداية العام الجاري زاد من معاناة السوريين ومأساتهم، لكون تركيا من أكثر الدول مقصداً للهاربين من براميل الأسد.

عائلات مشتتة
محمد أبو مالك، شاب في الثلاثينيات من عمره متزوج ولديه طفل، اضطر للخروج من مدينة حمص متوجهاً إلى دمشق بعد عام من اشتداد قصف النظام على مدينته إثر ثورة حمص العارمة التي لبّت نداء درعا مهد الثورة السورية.
يقول محمد: اتجهت أنا وعائلتي إلى حي القدم في دمشق وعشْت هناك 14 يوماً فقط، بعد أن تفاجأت عبر أحد الوسطاء أنني مطلوب لفرع المخابرات الجوية.
وعلى الفور وعبر عائلة معروفة من حي القدم تم تأمين هروبي في صباح اليوم التالي مع عائلتي إلى منطقة نصيب في درعا على الحدود الأردنية، وبفضل الله وقبل الساعة 12 ليلاً من نفس اليوم كنت على الأراضي الأردنية، ولن أنسى تاريخ هذا اليوم في 28-3-2012 و اعتبر أن الله كتب لي عمراً جديداً.
ويضيف محمد: اضطررت للمكوث ثلاثة أيام في مخيم البشابشة في الرمثة ريثما تم تأمين كفيل لي وبعد عدة تحقيقات من قبل الجهات المختصة الأردنية، ثم استقريت بعدها في منطقة الخالدية، وبعد فترة من العمل تمكنت من استثمار مطعم صغير لأعيش منه أنا و عائلتي الصغيرة، وبعدها تمكن أخوتي الذكور والإناث باللحاق بي وكذلك أهل زوجتي، وعاشوا كلهم معي في منطقة الخالدية، وخففوا عني وعن زوجتي آلام الغربة، وكان الله منعماً علينا بالتئام شملنا، ولكن ذلك لم يدم طويلاً.
شتات وفراق
بعد فترة من استقراره في الأردن أصبح محمد يرى أصدقاءه يهاجرون إلى ألمانيا، ويشجعونه على ذلك، ففكر محمد بالأمر بعدما رأى أن انتهاء الحرب في بلاده أصبح شبه مستحيل، ورأى أن يذهب إلى تركيا ليجرب حظه، وليطلب لم شمل أسرته إذا وصل إلى ألمانيا فيما بعد، ولكن كان للقدر رأي آخر.
يقول محمد: اتصلت المفوضية المختصة باللاجئين مع كثير من السوريين الراغبين بالهجرة مع عائلاتهم لكنهم لم يتصلوا بي طيلة السنوات التي عشتها في الأردن، لذلك ودّعت زوجتي وقررت التوجه إلى تركيا، فقامت السلطات الأردنية بتدقيق أوراقي وأجبروني على التوقيع على عدة أوراق ليسمحوا لي بالسفر جواً إلى تركيا مع العلم أنني أحمل جواز سفر سوري ساري الصلاحية، وبعد وصولي إلى تركيا في بداية العام الجاري تم منع الهجرة الغير شرعية بالنسبة للسوريين عبر البحر فاضطررت للبقاء هنا في تركيا والعمل في مطاعمها بعد أن تركت زوجتي حاملاً في شهرها الأول ووحيدة مع طفلي الوحيد.
ويضيف محمد: زوجتي الآن في الأردن ولا يمكنها المجيء إلى تركيا بعد أن فرضت الحكومة التركية تأشيرة دخول على السوريين، ولقد تقدمت زوجتي لطلب الحصول على الفيزا عشرات المرات ولكن دون جدوى، فقررت أن أعود إلى الأردن مجدداً بعد أن احترق قلبي بنار الفراق الذي أبعدني عن زوجتي، ولكن دون جدوى أيضاً، وتبين لي أن الأوراق التي أمضيت عليها في الأردن تمنعني من العودة إلى الأردن من جديد، رغم أنني خرجت إلى تركيا على أساس السياحة لمدة ثلاثة أشهر.
وبعد معاناة طويلة وعدة استفسارات من الجهات الأردنية كان ردهم لا يحق لك كلاجيء أن تعود إلى الأردن ما دمت خرجت منها
محاولات فاشلة
يقول محمد: ذهبت زوجتي إلى الخارجية في الأردن و أوضحت لهم أنها تريد عودة زوجها كونه معيلاً لها، ولكن دون جدوى.
ويتابع محمد: لم أترك باباً إلا وطرقته فلقد تواصلت مع سائق في الديوان الملكي الأردني بحكم الصداقة، وشرحت له وضعي، فطلب مني أن أطلب من زوجتي أن تكتب رسالة موجهة إلى ملك الأردن بشكل شخصي، ووعدني بأن يضعها في الديوان الملكي، و كان ذلك، ولكن الرسالة لم تصل إلى الملك.
ويضيف محمد: تواصلت مع الرجل من جديد فوعدني أن يحاول تأمين مقابلة لزوجتي مع ملك الأردن لتروي له معاناتها، وتطلب منه أن يسمح لي بدخول الأردن من جديد، و ها أنا ذا أنتظر وعود هذا الرجل منذ عدة أسابيع وإلى الآن لا شيء تغير.
آلاف الحالات والمعاناة تتكرر كحالة محمد ومعاناته، وخصوصاً بعد فرض الحكومة التركية لتأشيرة الدخول على السوريين الراغبين بدخول أراضيها مؤخراً، وآلاف العائلات تشتت، وباعدت الحدود بينها منذ وضع التعقيدات على تنقلات السوريين في كافة بلدان العالم، وخصوصاً دول الجوار، فإلى متى يتم حرمان السوريين من أبسط حقوقهم في التئام شتاتهم وزيارة بعضهم بعضاً؟ يتساءل محمد ومئات آلاف السورين أيضاً.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*