حين قَتَلنا تشرين

12226568_974965349241152_1446262779_n

زيتون – محمد حاج حسين

لن أقف كثيراً هنا، صوت القبور يرعبني، ولطالما رأيت أرواحاً هاربة في ليالي الشتاء، هناك في «سراقب» حيث لا مجال لأن تكون وحيداً، يحاصرك الحب والألفة من كل جانب، أرواح تكره الوحدة والبرد، فتترك مثواها الأخير، طمعاً بذرة دفء أو لحن موال يعيد الصفاء لكل شيء .
أعرف أن النعش بارد، وأن النعش فراق أبدي للدفء، المشيعون على اختلاف هتافهم وانشادهم وشجوهم، لا يعرفون شيئاً سوى النحيب، ولطالما ظنوا بأنهم كلما شيعوا الميت بحزنٍ أكثر كان سعيداً أكثر .
لا جنازات صامتة في بلادنا، ولا ميت ينتحب على حامليه .
أنا لم أعد أعرف ما سيحدث للروح بعد القبر، ولكنني أعرف أن الروح في ليالٍ مقمرة، تعود الى مكامن الذاكرة وزوايا الحنين، تعود بغتةً بلا صوت، وكأنها تقول «هذا صمت اعتدته فاعتادوا عليه»
في كل مقابر الأرض القبور بشاهدات، لوحات للاسم ولمآثر الموتى، شجيرات صغيرة وكبيرة تلقي بظلٍ حزين في كل مقبرة، نباتات تخرج من بين الحجارة تروي حكايات الراحلين ورحلتهم الأخير قبل الامتزاج مع التراب، وحدها قلوب الباقين فوق القبر شاهدات تتحرك .
كان شهر انكسارات ل «سراقب»، تلك الأرض التي لم تعرف راحةً منذ خمس سنوات، تقدم قتلاها بصمت، تترك أمهات يسقين الأرض بالدموع التي امتزجت بدم الراحلين في رحلة متكررة لآلة الموت فوق سمائها، أنا خسرت «أحمدا» حياتي.
لا أعرف من أين تبدأ حكايتي، لكنني أعرف أنها بدأت معهم، كثيرون من يحملون اسم «أحمد» في هذه الحياة، ولكن «أحمدا» قصتي كانوا الأقدر على حمل حزن الكون كله والقائه في القلب .

لروح : محمد ميلاد العبد لله
وأحمد شواف كفرنطوني