أصابعهم تكتب ملحمتنا

اطفال درعا

كانوحلماً بمنتهىً, حلموا بأن يرسموا لوحة طفولتهم بغير ألوان الطلائع, بأصابعهم كتبوا حروف حريتهم, وكانت كرّاساتهم جدران مدارسهم, خطّوا بأصابعهم الطرية ألوان فرحهم, وحلمهم, ولم يكونوا ليعلموا أن حقداً ما سيكبر كرهاً لهذه الأنامل ومن ثم يقتلع أظافرها….

هي لحظة حلم ٍ وحرية, وغيرة بريئة من ربيعٍ موعود, غيرةُ فتيةٍ كانوا أجرأ من جيلنا مجتمعاً. نعم. كان حلماً بمنتهى الحب والبراءة, ولكنهم اقتيدوا مع حلمهم وطفولتهم إلى أقبية تتعفن فيها الأحلام, ويكبر فيها الموت

استنجدنا, نخوة ذويهم فصرخوا صرخة ًخجولة, محاولين إعادة البراءة لفلذات أكبادهم, لكنْ ما كان للئيم من كرمٍ يعطيه, أهينوا, فاستصرخوا فينا بقايا ضميرٍ غارقٍ في النوم, ضمير بدأ يصحو على وقع صيحاتهم, ثم خرج الصوت من سجنه الطويل واستفاقت كلمة حرية على شفاهٍ يابسة, علت زغاريد الحياة وحرضّت فينا رغبة الكرامة, كان حنين الشوارع للغناء أقوى من الموت وبدأت المظاهرات المتناثرة كبقع الندى فوق زهرةٍ تكبر …

فكان الرصاص… نعم كان الرصاص لم نصدقْ, صحا الموت من غفوته, لم نكن نصدق, قلنا تغير الزمن, ولن يصمت العالم مثلما صمت في الماضي, لكنْ ما لبثنا أن اكتشفنا كم هو بخس ثمن دمنا في المحافل كافة, وما لبثنا أن عرفنا كم ألمنا باهت حتى في وجدان الشعوب, ومن ثم تركنا لقدرنا, نسحل, ونعذب, ونهان, و ينتهك كل شيء فينا, صرخنا….. استنجدنا, توسلنا الجميع أن أغيثونا…. لكنّ صيحاتنا ضاعت سدى, ودمنا هدر ببرود مطلق, بحثنا عن أحدٍ يحمينا, لم نجد أدركنا كم نحن  أيتاماً, لكنّ الكرامة لم تعد تقبل مناّ عذراً, ودم الشهداء استصرخ وجداننا, موت السجناء البطيء يعذّب ضمائرنا, فما كان من جيل عزّ عليه أن يهان بهذا الشكل وهذه الطريقة إلاّ أن يثور للدفاع عن أهله ودياره ومستقبله ……  

أطفالاً, نتصور أن تدمّر مدناً بهذا الشكل, أو أنْ نقتنع بأن طائراتنا سترمينا بحممها وجحيمها, لم نكن لنتصور أنّ إخوتنا في الوطن يمتلكون كلّ هذه القدرة على قتلنا, لا فرق. أطفالاً, نساءً, شيباً و شباباً, لا فرق فنحن بكافة أطيافنا, مشروع قتل ……

وضع الشعب السوصباح, مله على الإرهاب,رهاب, والعالم يتفرج على مذبحته التاريخيّة, يمارس صمته الذليل ويضع خطوطاً حمراء, ثم يمحوها.

حين أستيقظ كل صباح, أشعر للحظة أنه حلم, لا بد أنه حلم, فلم يحدث في التاريخ على امتداده ما يحدث لنا, لكنْ صوت انفجار الصواريخ يقطع عني صمتي, ثم اصحوا من شرودي وأدرك أنه الواقع وليس بحلم.

نعم هو الموت يحاصرنا من كافة الجهات, نعم هو الصمت القذر للبشرية  جمعاء, هي مسرحية موتنا على مذبح الحرية, لكنك  أيها السوري, قلت للعالم كله ما لم يقله شعبٌ من قبلك, نعم أيها السوري, بألمك و أملك و حلمك وصبرك تكتب ملحمتك الكبرى, نعم أيها السوري, عامان مرا والموت يخافك ولا تخافه.

إنه المخاض.. المخاض العسير العسير, لكنه وعد الولادة, فالحب آتٍ و الحلم آتٍ.. وحقك بحريتك آتٍ, فلا اليأس يستطيع دخول قلبك ولا الموت ينسيك دماء الشهداء, ودموع الأيتام , وحزن الثكالى , فطوبى لزهرة حرية تنبت فوق تربة  شهدائنا.

وتباً لمحافلهم بكافة أطيافها… إاللون,ري يخط ملحمته بكل تفاصيل اللون, إنه السوري ينحت أيقونته وساماً على صدر الزمن.

آرام الدمشقي