حلم العودة!…

552001_10151166930332107_1772792061_n

كلما اشتد هتافنا في المظاهرات كانت ردة فعل النظام تشتد! وكلما كان الشعار يتطور نحو التغيير؛ كان النظام يحشد بجيشه ويتمترس بالحواجز! وكلما اتسعت رقعة المظاهرات كانت تضيق مساحة تنقل المتظاهرين بحكم دخول الجيش إلى المدن!… إلى حين ضاق الخناق بالناشطين وزويهم؛ فرحلوا إلى أطراف مدينتهم ليتسللوا إليها بعد ذلك زائرين، ثم يخرجوا!.

الحال تسارعت، المظاهرات غدا لها مخلب تشهره بوجه المعتدين عليها بالرصاص! وتحمي أبناءها المطالبين بالحرية والتغيير! والنظام انفتحت شهيته أكثر للقتل والتدمير.

خرج أهالي جسر الشغور من مدينتهم إلى ظلال الأشجار على الحدود التركية؛ بعدما أصبحت عمليات الفرار المؤقتة أو النزوح إلى مناطق أكثر أمناً غير كافية!.

صعق الناس بما حصل لإخوانهم؛ وطلبوا منهم ألا يبنوا خيامهم هناك فعودتهم ستكون قريبة، والنصر عاجل غير آجل.

اشتد قصف النظام على المدن، وانضم إلى هؤلاء أناس آخرون، وبدأ العدد يتغير على الشاشات مع اتساع الحل العسكري في المدن السورية، ثم بتنا نسمع عن ضرورة حصول مساعدات وخيم تؤوي هؤلاء جميعاً، وعن حاجة للمواد الغذائية والبطانيات بحكم حلول فصل الشتاء!.

الخروج المستمر للاجئين السوريين لم يغير من قناعتهم عن قرب عودتهم، وأن لا بأس أن يتحملوا هذه الأسبوع والأيام القادمة ثم يعودوا! لكن الوقت كان يمضي وشيئاً من حالهم لم يتغير، والانتظار أسكت صوت الأمل بقرب العودة.

احتفل السوريون بعام على مضي ثورتهم، وبتشكيلهم أجساماً سياسية تسمع صوتهم، والشيء الوحيد الذي تغير في حالهم أنهم باتوا ينفقون ساعات الانتظار على “بسطاتهم” التي افتتحوها في المخيمات كي يسكتوا صوت معدتهم الذي أخمد صوت العودة القريبة!.

تُرك السوريون لحتفهم! يعيش منهم من يصله فتات المساعدات الخجولة؛ فأدركوا أنهم وحيدون وما قيل عن عودتهم ليس صحيحاً؛ إنما مهدئات من قائل الكلام حتى لا يتحمل مسؤوليته تجاههم!.

كثير من السوريين اليوم يسعون لرزقهم بسبل شتى في بلدان اللجوء، وبدؤوا يتصرفون كما يتصرف المواطنون أصحاب البلاد، فأسسوا لمصدر رزقهم وعيشهم وحالهم يقول بنية الإقامة الطويلة؛ لشعورهم على ما يبدو بطول أجل الثورة في سورية!.

“أبو عبدو الحمصي” صاحب أشهر بسطة “فلافل” في ساحة بلدية “الريحانية” التركية؛ يقول إنه انشق من الفرقة الرابعة وجاء إلى تركيا، وهو يعمل ليكسب قوت عيشه بعدما طال به الانتظار، ولأنه يريد أن يكسب ماء وجهه، فلا المساعدات تصل ولا الأزمة انتهت حتى يعود لبلده.

يخرج “أبو عبدو” كل يوم الساعة الثامنة صباحاً؛ يعيد البريق لصحون المخلل في بسطته، ويوضب شرائح “البندورة والخيار” كإغراء لشهية الناس… ولا تقفل بسطة “أبو عبدو” قبل أن تطعم السوريين المارين أو المتواجدين في تلك الساحة.

“أبو عبدو” لديه عائلة كما يقول وعليه مسؤوليات، ولو بقي ينتظر ما سيقدم لهم من مساعدات لما استطاعوا أن يبقوا فترة أطول في تركيا بعدما تركوا منزلهم الذي تهدم نتيجة للقصف.

في مدينة “الريحانية” التركية أسماء محلات لسوريين بأسماء عربية؛ تستقبل زبائنها باللهجات السورية المعروفة وتسهل لهم أمورهم، كمحل: “حلويات حلب” و “فلافل تفتناز” ومطعم “الأحرار” وغيرهم…

المراقب لهؤلاء السوريين وهم كثر؛ يعرف أن الثورة كبرت وبدأت تدخل في مرحلة الشيخوخة، وأن السوريين اقتنعوا بمقولة عبد الرحمن عوف عندما هاجر إلى المدينة لسعد بن الربيع “بارك الله في مالك وأهلك، لكن دلني على السوق” لكن قالوها للمجتمع الدولي الذي عجز عن مساعدتهم “لا بارك الله لكم في أموالكم، نحن نذهب إلى السوق”.

محمد كناص